الأربعاء، 17 يونيو 2020

وزن قول جميل بثينة: رسم دار وقفت في طلله...



ذكَر عبدُ القادرِ البغداديُّ في «خزانته» (10/ 20 وما بعدَها) [تح: عبد السَّلام هارون، ط: الخانجي] أبياتًا مِن قَصيدةٍ لجميلِ بن مَعْمَر العُذْريّ، مطلَعُها:
رَسْمِ دَارٍ وَقَفْتُ في طَلَلِهْ * كِدتُّ أَقْضِي الحياةَ مِن جَلَلِهْ
ونُسِبَتْ في فهرسِ الأشعارِ (12/ 231، 232) إلَى المنسرحِ، والصَّوابُ أنَّها مِنَ الخَفيفِ.
• وعلَى ذِكرِ نسبةِ الأبياتِ إلى المنسرحِ: فقد اتَّفقَ أن مرَّ بي وأنا أتصفَّحُ «التّمام في تفسيرِ أشعارِ هُذيل» لابنِ جنّي [تح: أحمد القيسي، وخديجة الحديثي، وأحمد مطلوب، ط: العاني] قولُ جميلٍ (ص79):
رَسْمِ دارٍ وقفتُ في طَلَلِهْ * كِدتُّ أَقْضِي الغَداةَ مِن جَلَلِهْ
وعلَّقَ المحقِّقونَ عليه في الحاشيةِ: (البيت لجميل بثينة (ديوانه ص81)، وقد كتبَ النَّاسخُ على الحاشيةِ: «رواية: (كِدتُّ أَقْضِي الحياةَ مِن جَلَلِهْ)، وربَّما وَرَدَ بها: (أُقَضِّي) بالتَّشديدِ، ذكَرَه الصَّاحبُ بنُ عبَّاد في كتاب «الروزنامج» عن أبي سعيدٍ السِّيرافيِّ») انتهى.
فقلتُ: كيفَ يصِحُّ ورودُه بالتَّشديدِ وهو يُصيِّرُهُ إلَى المنسرحِ؟!
فرجعتُ إلَى  «الروزنامجة» [تح: محمد آل ياسين، ط: النهضة]، فوجدتُّ فيه (ص97) خبرًا يُفيدُ أنَّ الصَّاحبَ بن عبَّاد قعدَ إلى أبي سعيدٍ السِّيرافيِّ، وبعضُهم يقرأُ «الجمهرةَ»، فأنشدَ:
رَسْم دارٍ وقفتُ في طَلَلِهْ * كِدتُّ أُقَضِّي الغَداةَ مِن جَلَلِهْ
فقالَ الصَّاحب: أيُّها الشَّيخ! هذا لا يجوزُ، والمصراعانِ على هذا النَّشيدِ يخرجانِ من بحرَيْنِ؛ لأنَّ:
رَسْم دارٍ وقفتُ في طَلَلِهْ
فاعلاتُنْ مفاعِلُنْ فَعِلُنْ
كِدتُّ أُقَضِّي الغَداةَ مِن جَلَلِهْ
مُفْتَعِلُنْ مَفْعُلاتُ مُفْتَعِلُنْ
فذاك من الخفيفِ، وهذا من المنسرحِ. فقال: لمَ لا تقولُ: الجميعُ من المنسرحِ، والمصراع الأوَّل مخزومٌ؟ فقلتُ: لا يدخلُ الخزمُ هذا البحرَ؛ لأنَّ أوَّلَهُ (مستفعلن)، (مفاعلن) هذه مُزاحَفةٌ عنه، وإذا حذفْنا متحرِّكًا بقَّيْنا ساكنًا، وليس في كلام العربِ ابتداءٌ به، وإنَّما هو:
كِدتُّ أَقْضِي الغداةَ مِن جَلَلِهْ
بتخفيفِ الضَّادِ. فأمرَه بتغييرِه، ورفَعَني إلى جنبِه. انتهى كلامُه.
وقولُه: (مخزوم) و(الخزم) كذا جاءَ في الكتابِ، والصَّوابُ أن يكونَ بالرَّاء. والله أعلمُ.
• وعلَى ذِكرِ الخَرْمِ: فمن الاتِّفاقِ الحَسَنِ أنَّه جاءَ في الصَّفحة السَّابقةِ للمذكورةِ مِنَ «التّمام» (ص78) حديثٌ عن الخَرْمِ شبيهٌ بهذا، وأنَّ الخرمَ لا يكونُ إلَّا في ما أوَّلُه وتدٌ مجموعٌ، قالَ ابنُ جنّي: (فإذا حُذِفَ الأوَّلُ من المتحرِّكينِ خَلَفَه للابتداءِ به الثَّاني منهما، فأمَّا ما أوَّلُه (مستفعلن) فإنَّكَ إنْ حذفتَ الميمَ لزمكَ الابتداءُ بالسَّاكنِ، وهو السِّينُ) انتهى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق