ذكَر
عبدُ القادرِ البغداديُّ في «خزانته» (10/ 20 وما بعدَها) [تح: عبد السَّلام
هارون، ط: الخانجي] أبياتًا مِن قَصيدةٍ لجميلِ بن مَعْمَر العُذْريّ، مطلَعُها:
رَسْمِ
دَارٍ وَقَفْتُ في طَلَلِهْ * كِدتُّ أَقْضِي الحياةَ مِن جَلَلِهْ
ونُسِبَتْ
في فهرسِ الأشعارِ (12/ 231، 232) إلَى المنسرحِ، والصَّوابُ أنَّها مِنَ الخَفيفِ.
• وعلَى
ذِكرِ نسبةِ الأبياتِ إلى المنسرحِ: فقد اتَّفقَ أن مرَّ بي وأنا أتصفَّحُ
«التّمام في تفسيرِ أشعارِ هُذيل» لابنِ جنّي [تح: أحمد القيسي، وخديجة الحديثي،
وأحمد مطلوب، ط: العاني] قولُ جميلٍ (ص79):
رَسْمِ
دارٍ وقفتُ في طَلَلِهْ * كِدتُّ أَقْضِي الغَداةَ مِن جَلَلِهْ
وعلَّقَ
المحقِّقونَ عليه في الحاشيةِ: (البيت لجميل بثينة (ديوانه ص81)، وقد كتبَ
النَّاسخُ على الحاشيةِ: «رواية: (كِدتُّ أَقْضِي الحياةَ مِن جَلَلِهْ)، وربَّما
وَرَدَ بها: (أُقَضِّي) بالتَّشديدِ، ذكَرَه الصَّاحبُ بنُ عبَّاد في كتاب «الروزنامج»
عن أبي سعيدٍ السِّيرافيِّ») انتهى.
فقلتُ:
كيفَ يصِحُّ ورودُه بالتَّشديدِ وهو يُصيِّرُهُ إلَى المنسرحِ؟!
فرجعتُ
إلَى «الروزنامجة» [تح: محمد آل ياسين، ط:
النهضة]، فوجدتُّ فيه (ص97) خبرًا يُفيدُ أنَّ الصَّاحبَ بن عبَّاد قعدَ إلى أبي
سعيدٍ السِّيرافيِّ، وبعضُهم يقرأُ «الجمهرةَ»، فأنشدَ:
رَسْم
دارٍ وقفتُ في طَلَلِهْ * كِدتُّ أُقَضِّي الغَداةَ مِن جَلَلِهْ
فقالَ
الصَّاحب: أيُّها الشَّيخ! هذا لا يجوزُ، والمصراعانِ على هذا النَّشيدِ يخرجانِ
من بحرَيْنِ؛ لأنَّ:
رَسْم
دارٍ وقفتُ في طَلَلِهْ
فاعلاتُنْ
مفاعِلُنْ فَعِلُنْ
كِدتُّ
أُقَضِّي الغَداةَ مِن جَلَلِهْ
مُفْتَعِلُنْ
مَفْعُلاتُ مُفْتَعِلُنْ
فذاك من
الخفيفِ، وهذا من المنسرحِ. فقال: لمَ لا تقولُ: الجميعُ من المنسرحِ، والمصراع
الأوَّل مخزومٌ؟ فقلتُ: لا يدخلُ الخزمُ هذا البحرَ؛ لأنَّ أوَّلَهُ (مستفعلن)،
(مفاعلن) هذه مُزاحَفةٌ عنه، وإذا حذفْنا متحرِّكًا بقَّيْنا ساكنًا، وليس في كلام
العربِ ابتداءٌ به، وإنَّما هو:
كِدتُّ
أَقْضِي الغداةَ مِن جَلَلِهْ
بتخفيفِ
الضَّادِ. فأمرَه بتغييرِه، ورفَعَني إلى جنبِه. انتهى كلامُه.
وقولُه:
(مخزوم) و(الخزم) كذا جاءَ في الكتابِ، والصَّوابُ أن يكونَ بالرَّاء. والله
أعلمُ.
• وعلَى
ذِكرِ الخَرْمِ: فمن الاتِّفاقِ الحَسَنِ أنَّه جاءَ في الصَّفحة السَّابقةِ
للمذكورةِ مِنَ «التّمام» (ص78) حديثٌ عن الخَرْمِ شبيهٌ بهذا، وأنَّ الخرمَ لا
يكونُ إلَّا في ما أوَّلُه وتدٌ مجموعٌ، قالَ ابنُ جنّي: (فإذا حُذِفَ الأوَّلُ من
المتحرِّكينِ خَلَفَه للابتداءِ به الثَّاني منهما، فأمَّا ما أوَّلُه (مستفعلن)
فإنَّكَ إنْ حذفتَ الميمَ لزمكَ الابتداءُ بالسَّاكنِ، وهو السِّينُ) انتهى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق