الخميس، 23 يناير 2020

وزن (عُداة) ومفرده والفرق بينه وبين (عِدات)



عُدَاةٌ -بضمِّ العَيْنِ- جَمْعُ عادٍ، ووزنُه: فُعَلَةٌ، ونحوُه: ساعٍ وسُعاة، ورامٍ ورُماة، وقاضٍ وقُضاة، وغَازٍ وغُزاة، وداعٍ ودُعاة...
قالَ ابنُ مالكٍ -رحمه الله تعالى-:
في نَحْوِ رَامٍ ذو اطِّرَادٍ فُعَلَهْ
قالَ ابنُ هشامٍ - رحمه الله تعالى- في «أوضحِ المسالكِ» عندَ تَعدادِه أبنيةَ جمعِ التَّكسيرِ الموضوعةَ للعَدَدِ الكثيرِ:
(الخامس: فُعَلة، بضَمِّ أوَّلِهِ، وفَتْحِ ثانِيهِ، وهو مُطَّرِدٌ في وَصْفٍ لعاقِلٍ علَى فاعِلٍ معتلِّ اللَّامِ؛ كرامٍ وقاضٍ وغازٍ) انتهى.
وأصلُ عُدَاة: عُدَوَةٌ، فتحرَّكَتِ الواوُ وانفتحَ ما قبلَها، فقُلِبَتْ ألِفًا. وكذلك سُعَاةٌ أصلُها: سُعَيَةٌ، فتحرَّكَتِ الياءُ وانفتحَ ما قبلَها، فقُلِبَتْ ألِفًا.
وقد يخلِطُ بعضُ النَّاسِ بين عُداة وعِدات:
فأمَّا عُدَاةٌ -بضمِّ العَيْنِ- فجَمْعُ عَادٍ، بمَعْنَى العَدُوِّ، ووَزْنُهُ فُعَلَة، وقد تقدَّمَ الكلامُ عنه.
وأمَّا عِدَات -بكَسْرِ العَيْنِ، وتاءٍ مبسوطةٍ- فجَمْعُ عِدَةٍ، نحو: عِظَة وعِظَات، وهِبَة وهِبات، وسِنَة وسِنَات... ووزنُ عِدَة: عِلَة، والأصلُ: وِعْدَة علَى وَزْنِ فِعْلَة، ولكن حُذِفَتِ الواوُ. جاءَ في «شرح تصريف العِزِّيِّ» للمُلَّا علي القاري (ص80): ( (تَقُولُ: وَعَدَ) بسَلامةِ الواوِ (يَعِدُ) بحَذفِها (عِدَةً) بحَذفِها؛ لأنَّ أصلَها: وِعْدَةٌ، فنُقِلَتْ كسرةُ الواوِ إلَى العَيْنِ لثِقَلِها عليه، وحُذِفَتِ الواوُ) انتهى.
ومن لَطيفِ الجِناس قولُ الشَّاعرِ في المدحِ بالجُودِ والباسِ:
ذو راحَةٍ وكَفَتْ نَدًى وكَفَتْ رَدًى * فَقَضَتْ بهُلْكِ عِدَاتِهِ وعُدَاتِهِ
فقولُه: (عِدَاتِهِ) جمعُ (عِدَةٍ)، وقولُه: (عُدَاتِهِ) جَمْعُ (عادٍ).
والله تعالى أعلم.

- كان ما سبَق جوابًا عن سؤالٍ طُرِحَ في (ملتقَى أهلِ اللُّغة)، فوجَّهَ إليَّ بعدَهُ أُستاذُنا الجليلُ منصور مهران -حفظه الله- سؤالًا قال فيه: (هل يجوز أن يكون (عُداة) مفرده (عادٍ) لا (عدوّ)، وكذا (غُواة) مفرده (غاوٍ)؟ أو هذا من النَّادر؟).
فشكرتُ لأُستاذِنا هذا الطَّرْحَ الَّذي شَجَّعَني علَى البَحْثِ والنَّظَرِ. وقد وقفتُ علَى المسألةِ في بعضِ شُروحِ «الفَصيحِ»، والَّذي فهمتُ مِن كلامِهم أنَّ القِياسَ يقتَضي أنَّ العُداةَ جَمْعُ عادٍ، لا جمعُ عَدُوٍّ، ولكن لَـمَّا كانَ العَدُوُّ والعادِي بمعنًى واحدٍ جَعَلوا العُداةَ جمعًا لعَدُوٍّ أيضًا علَى غيرِ قِياسٍ. واللهُ أعلمُ. قالَ ابنُ درستويه في «تصحيح الفَصيحِ» (ص471): (فأمَّا العُداةُ بالهاء فجمعُ عادٍ، لا جمعُ عَدُوٍّ، مثل: غازٍ وغُزاة، وقاضٍ وقُضاة، ولكنَّ العَدُوَّ في معنَى الفاعلِ، إلَّا أنَّه قد بُنِيَ على مِثالِ المبالغةِ، فكأنَّه جُمِعَ عُداةً علَى المعنَى) انتهى. وقالَ ابنُ الجبَّان في «شرح الفَصيحِ» (ص300): (فأمَّا العُداةُ فجمعُ العادي، كالقُضاة جمع القاضي، ويُرادُ بذلك جَمْعُ العَدُوِّ مِنْ غيرِ قِياسٍ) انتهى. وقالَ أبو سهل الهرويُّ في «إسفار الفَصيحِ» (ص855): (فلمَّا كانَ العادي بمعنَى العَدُوِّ جعَلوا جمعَه كجمعِه أيضًا) انتهى.
ونقلَ ابنُ منظور في «اللِّسان» (عدا) إنكارَ ابنِ سِيدَه أن يكونَ (العُداة) جمعًا لـ(عَدُوٍّ)، قالَ: (ومِمَّا وضَعَ به ابنُ سِيدَه من أبي عبدِ الله بنِ الأَعرابيِّ ما ذَكَرَهُ عنه في خُطْبةِ كتابِه «المحكم» فقالَ: (وهَلْ أَدَلُّ على قِلَّةِ التَّفصيلِ، والبُعدِ عن التَّحصيلِ مِن قولِ أبي عبدِ الله بنِ الأَعْرابيِّ في كتابِه «النَّوادِر»: (العَدُوُّ يكونُ للذَّكَرِ والأُنثَى بغيرِ هاءٍ، والجَمْعُ أَعْداءٌ وأَعادٍ وعُدَاةٌ وعِدًى وعُدًى)، فأَوْهَمَ أَنَّ هذا كلَّه لشَيْءٍ واحِدٍ). ثمَّ قالَ ابنُ سِيدَه عن (عُدَاة): (وأَمَّا عُدَاةٌ فجمعُ عادٍ؛ حَكَى أبو زَيْدٍ عن العَرَبِ: أَشْمَتَ اللهُ عادِيَكَ؛ أَيْ: عَدُوّكَ، وهذا مُطَّرِدٌ في باب فاعِل ممَّا لامُهُ حَرْفُ عِلَّةٍ، يعني أَن يُكَسَّرَ على فُعَلَةٍ؛  كقاضٍ وقُضاةٍ، ورامٍ ورُماةٍ، وهو قولُ سيبويه في بابِ تكسير ما كان من الصِّفة عِدَّتُه أَربعةُ أَحرُفٍ. وهذا شَبيهٌ بلَفْظِ أَكثرِ النَّاس في توهُّمِهم أَنَّ كُماةً جمعُ كَمِيٍّ، وفَعِيلٌ ليس مما يُكسَّرُ على فُعَلةٍ، وإنَّما جمعُ كَمِيٍّ أَكْمَاءٌ؛ حَكاه أَبو زَيْدٍ، فأَمَّا كُمَاةٌ فجمعُ كامٍ، مِن قولهم: كَمَى شَجاعتَه وشَهادتَه: كتَمَها) انتهى.
وذَكَرْتُ ههنا شيئًا كنتُ قرأتُه في «فيض نشر الانشراح» (1/ 389) لابنِ الطيّبِ إذْ يقولُ: (قولُه: (قالَ النُّحاةُ) جمعُ (ناحٍ)، كقاضٍ وقُضاة -وهو النَّحْوِيُّ العالمُ بالقواعدِ النَّحويَّةِ، كما بَسَطوهُ- لا جَمْعُ (نَحْوِيٍّ) علَى غيرِ قِياسٍ، كما توهَّمَهُ كثيرٌ ممَّن لا مَعْرِفةَ عندَهُ) انتهى.
والله أعلمُ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق