الأحد، 29 سبتمبر 2019

لماذا سميت الزرافة بهذا الاسم؟


هذه فائدةٌ قرأتُها في «التنبيه على شرح مشكلات الحماسة» لابنِ جنِّي، قال (1/ 65):
(الزَّرافة: الجماعة، سُمِّيت بذلك للزِّيادة الَّتي في الاجتماع والتَّضامّ فيه. ومنه: التَّزريفُ للزِّيادة في الحديثِ. وزرَّفَ في كلامِه: زادَ فيه. ومنه: الزَّرافة؛ لطُولِ عنقِها علَى المعتادِ المألوفِ في ما قدُّه قدُّها. فإن قلتَ: فإنَّ كثيرًا من الإبِلِ طُولُ عنقِه طُولُ عنقِ الزَّرافةِ، فهلَّا سُمِّيت زرافاتٍ؟ ففي ذلك جوابانِ: أحدهما: أنَّ الاشتقاقَ لا يُركب فيه القياسُ؛ لِمَا قد بيَّنَّاه في كتابِنا في شعر هذيل، وهو الموسومُ بكتاب «التمام»، وفي غيرِه من كتبِنا. والآخَر: أنَّ الجَمَلَ -علَى علُوِّ جسمِه، وفخامةِ منظرِه- لا يُنكَر أن تكونَ عنقُه طويلةً، ولكنَّ الزَّرافةَ -علَى اجتماعِ جسمِها إلى جسمِ البعيرِ- يُستنكَر ويُستكثَرُ لها طولُ عنقِها. وهذا واضحٌ) انتهى.
ومرَّ بي قبلَ هذا مذهبٌ غريبٌ في الزَّرافةِ، ذكَره ابنُ خلّكان في «وفيات الأعيان» (4/ 400) في ترجمة العُتبيِّ، فقال: (ورُوي عنه أنَّه كان يقول: الزّرافة –بفتح الزَّاي، وضمِّها-: الحيوان المعروف، وهي متولِّدة بين ثلاث حيوانات: النَّاقة الوحشيَّة، والبقرة الوحشيَّة، والضِّبْعان، وهو الذَّكَر من الضِّباعِ... والزَّرافة في الأصلِ: الجماعة، فلمَّا تولَّدتْ من جماعةٍ؛ قيلَ لها: الزَّرافة. والعجمُ تسمِّيها: «أشتر كاو بلنك»؛ لأنَّ «الأشتر»: الجمل، و«الكاو»: البقرة، و«البلنك»: الضَّبع) انتهى. قالَ محقِّقه د. إحسان عبَّاس في الحاشية: (وقارن بما في «الحيوان» (1/ 143)).

قال الجاحظُ في «الحيوان» (1/ 143): (وقولهم للزَّرافة: «أشتر كاو بلنك» اسمٌ فارسيٌّ، والفُرسُ تسمِّي الأشياء بالاشتقاقاتِ؛ كما تقول للنَّعامة: «أشتر مرغ»، وكأنهم في التَّقدير قالوا: هو طائر وجمل؛ فلم نجدْ هذا الاسمَ أوجبَ أن تكون النَّعامة نِتاجَ ما بين الإبلِ والطَّير؛ ولكنَّ القوم لَـمَّا شبَّهوها بشيئين متقاربين؛ سمَّوها بذينك الشيئين... فجسرَ القومُ، فوضعوا لتفسير اسم الزرافةِ حديثًا، وجعلوا الخِلْقةَ ضربًا من التَّراكيبِ... وهؤلاء وما أشبههم يُفسدون العلمَ، ويتَّهمون الكتب، وتغرُّهم كثرةُ أتباعهم ممَّن تجدُه مستهتَرًا بسماع الغريبِ، ومُغرَمًا بالطَّرائف والبدائع. ولو أُعطوا مع هذا الاستهتارِ نصيبًا من التثبُّت، وحظًّا من التَّوقِّي؛ لسَلِمَتِ الكتبُ من كثيرٍ من الفسادِ) انتهى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق