مِنْ أمثالِ العَرَبِ: «إذا عَزَّ أخُوك فَهنْ».
يُرْوَى بضَمِّ الهاءِ، وبكَسْرِها. قالَ ابنُ المرحَّلِ المالقيُّ في «مُوَطَّأةِ
الفَصيحِ»:
تقولُ: «إنْ عَزَّ أخُوكَ فَهُنِ» * وبعضُهمْ رَواهُ أيضًا: «فَهِنِ»
والضَّمُّ مِنْ «هَانَ يَهُونُ»، والكسرُ مِنْ «هَانَ يَهِينُ».
وقد رواهُ بالضَّمِّ أبو عبيدٍ القاسمُ بنُ سلَّام في «الأمثالِ» ، وثعلبٌ
في «الفصيحِ».
وخَطَّأَ أبو إسحاقَ الزَّجَّاجُ الضَّمَّ، وذهبَ إلَى أنَّ الكلامَ: «إذا
عزَّ أخوكَ فَهِنْ» -بكسرِ الهاءِ-، مِنْ هانَ يَهِينُ؛ إذا لان، ومعناه: إذا
اشتدَّ عليكَ؛ فَهِنْ له، ودارِهِ، وهذا مِنْ مكارِمِ الأخلاقِ. وأمَّا «هُنْ»
-بالضَّمِّ-؛ فهو مِنَ الهَوانِ، والعربُ لا تأمرُ بذلكَ.
والحجَّةُ لمذهبِ الضَّمِّ: قولُ عمرِو بن أحمر:
دَبَبْت لَهَا الضَّرَاءَ وقُلْت أَبْقَى * إذا عَزَّ ابنُ عَمِّكَ أن
تَهُونَا
قالَ أبو عبيدٍ البكريُّ في «فصل المقال 236»: (هكذا صحَّتْ روايةُ البيتِ
دونَ اختلافٍ بين الرُّواةِ) انتهى.
وذهبَ الزَّمخشريُّ في «المستقصَى 1/ 125» إلَى أنَّ الصَّحيحَ هو
الضَّمُّ؛ قالَ: (والصَّحيحُ الأوَّلُ؛ لقولِ ابن أحمر:
دَبَبْت لَهَا الضَّرَاءَ وقُلْت أَحْرَى * إذا عَزَّ ابنُ عَمِّكَ أن
تَهُونَا
وقول عَدِيِّ بن زيدٍ العِباديِّ:
ألا يا رُبَّما عزَّ * خَليلي فتهاوَنْتُ
ولوْ شئتُ علَى مقدِ * رةٍ منِّي لعاقبتُ) انتهى.
وقالَ ابن درستويه في «تصحيحِ الفصيحِ 440» شارحًا معنَى المثلِ: (يقالُ:
إنَّ معنَى قولِهم: «فَهُنْ» مِنَ الهوانِ، مأخوذٌ علَى الاستعارةِ، لا علَى
الحقيقةِ؛ لأنَّه ليسَ يُرادُ به: كُنْ هَيِّنًا؛ ولكن يُرادُ بِهِ: إذا اشتدَّ
أخوكَ؛ فلِنْ لَهُ؛ أي: إذا صَعُبَ، وتعسَّر، فتسهَّلْ له؛ لتدومَ الأُخُوَّةُ بينَكما.
ويجوز أن يكونَ معناه: إذا صار عَزيزًا -أيْ: مَلِكًا غالبًا قَوِيًّا عليك-؛ فأطعْهُ،
وتذلَّل له، تسلمْ عليه، ولا يظلمكَ بعِزِّهِ. ويجوزُ أن يكونَ مِنَ الهَوْنِ؛ وهو
السُّكونُ، والهدوُّ، مِن قولِ اللهِ تعالَى: ((وعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذينَ يَمْشُونَ
عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا))؛ أيْ: يمشون علَى هَيْنَتِهم، وسُكونِهم. يقولُ: إذا تجبَّرَ
أخوكَ عليكَ، وتكبَّر؛ فتواضعْ أنتَ؛ لتكونَ أفضلَ منهُ) انتهى.
واللهُ تعالَى أعلمُ.
يُراجع:
- «تصحيح الفصيح 440» لابن درستويه.
- «فصل المقال في شرح كتاب الأمثال 235، 236» لأبي عبيدٍ البكريِّ.
- «المستقصى في أمثال العرب 1/ 125، 126» للزَّمخشريِّ.
- «شرح مقامات الحريري 3/ 159» للشَّريشيِّ. وفيه: (ورواه بالكسرِ أبو عبيدٍ
وثعلب)، والصَّواب: (بالضَّمِّ).
- «تاج العروس 15/ 231، 232» للزَّبيديِّ (ع ز ز).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق