هذه فوائدُ نحويَّةٌ وصرفيَّةٌ اخترتُها من كتاب «تُحفة
الأقرانِ في ما قُرِئَ بالتَّثليثِ مِن حروفِ القرآنِ» لأبي جعفر أحمد
بن يوسف الرُّعَيْنيِّ (ت 779 ﻫ) -رحمه الله تعالى-. وهو مطبوعٌ بتحقيق د. علي
حسين البوَّاب. وقد احتجتُ في بعضِ المواضعِ إلى التَّصرُّفِ في كلامِ المصنِّفِ؛
رغبةً في الاختصارِ، أو لعرضِ الفائدةِ مجرَّدةً مِن سياقِها الَّذي وردَتْ فيه. وما
لَمْ أتصرَّف فيه وجدتَّه محصورًا بينَ قوسَيْنِ.
- (يجوزُ في المعطوفِ ما لا يجوزُ في المعطوفِ عليه؛ نحو
قولِهِمْ: (رُبَّ رَجُلٍ وأخيهِ)، ولا يُقالُ: رُبَّ أخيهِ. وقولِهِمْ: (كلُّ شاةٍ
وسَخْلَتِها بدرهَمٍ)، ولا يُقالُ: كلُّ سَخْلَتِها. وتقولُ: قامَتْ هِنْدٌ وزيدٌ،
ولا يُقالُ: قامَتْ زيدٌ).
- (متَى اجتَمَعَ فِعْلانِ مُتقارِبانِ في المعنَى،
ولِكُلِّ واحدٍ منهما متعلّق؛ جازَ حَذْفُ أحدِ الفِعْلَيْنِ، وعطفُ متعلّق
المحذوفِ علَى المذكورِ، علَى حسبِ ما يقتضيهِ لَفْظُهُ، حتَّى كأنَّه شريكُه في
أصلِ الفعلِ؛ إجراءً لأحدِ المتقارِبَيْنِ مُجرَى الآخَرِ).
فمن ذلكَ: قولُ الشَّاعِرِ:
* فعَلَفْتُها تِبْنًا وماءً بارِدًا *
أي: وسقيتُها ماءً؛ لأنَّ الماءَ لا يُعلَفُ.
وقولُ الآخَرِ:
* وزَجَّجْنَ الحواجِبَ والعُيُونَا *
أي: وكَحَّلْنَ العُيونَ؛ لأنَّ العُيونَ لا تُزَجَّجُ.
إلَى غيرِ ذلك مِنَ الشَّواهدِ. وهو كثيرٌ نَثْرًا
ونَظْمًا، حتَّى إنَّهم اختلفوا: أمقيسٌ هُوَ أم مسموعٌ؟
وحمَلَهُ جماعةٌ علَى التَّضمينِ، لا علَى حَذْفِ
الفِعْلِ. ومعنَى التَّضمينِ: أن يُضمَّنَ الفعلُ معنَى فعلٍ آخرَ يصِحُّ أن يعملَ
في المعطوفِ والمعطوفِ عليه؛ فيُضمَّنُ (عَلَفْتُها): أعطيتُها، و(زجَّجْنَ):
حَسَّنَّ.
والفَرْقُ بينَ المذهَبَيْنِ: أنَّ التَّضمينَ يكونُ
العطفُ فيه من بابِ عطفِ المفرَداتِ، وأنَّ إضمارَ الفِعْلِ يكونُ العطفُ فيه من
بابِ عطفِ الجُمَلِ. والتَّرجيحُ بينهما مذكورٌ في الكُتُبِ المطوَّلةِ.
- يجوزُ أن تجيءَ الحالُ مِنَ النَّكِرةِ إذا خُصِّصَتْ
بالإضافةِ، والإضافةُ مِنَ الـمُخصِّصاتِ.
- (واعْلَمْ أنَّ (سَواء) اختصَّتْ بحُكْمٍ؛ وهو أنَّها
لا ترفعُ الظَّاهِرَ في الأكثرِ؛ بل ترفعُ الضَّميرَ، إلَّا إذا كانَ الظَّاهِرُ
معطوفًا علَى الضَّميرِ فيرفعه، تقولُ: مررتُ برجلٍ سواءٍ هو والعَدَم، فالعَدَم
معطوفٌ على الضَّميرِ المستترِ في (سواء) المؤَكَّد ﺑ(هُو) الظَّاهِر، وهذا مِمَّا
يجوزُ في المعطوفِ ما لا يجوزُ في المعطوفِ عليه... ومِنَ العَرَبِ من يرفع
ﺑ(سواء) الظَّاهر، وليس بالكثيرِ).
- (لا يجوزُ في الصِّفاتِ الإتباعُ بعد القَطْعِ؛ لأنَّه
يلزمُ منه الرُّجوعُ بعدَ الانصرافِ، وقد قالَ الشَّاعِرُ:
إذا انصَرَفَتْ نَفْسِي عَنِ الشَّيْءِ لَمْ تَكَدْ *
إليهِ بِوَجْهٍ آخِرَ الدَّهْرِ تَرْجِعُ).
- (مُراعاة التَّوهُّمِ لا تجوزُ إلَّا في العَطْفِ؛ نحو
قولِك: ليس زيدٌ بقائمٍ ولا قاعِدًا، بنصب (قاعد) علَى توهُّمِ حَذْفِ الباءِ. قال
الشَّاعِرُ:
مُعاوِيَ، إِنَّنا بَشَرٌ فَأَسْجِحْ * فَلَسْنَا بالجِبالِ ولا الحَديدَا
فعطف (ولا الحديد) علَى توهُّمِ حذفِ الباءِ من
(الجبالِ)؛ أي: فلسنا جبالًا، ولا حديدًا).
- («الرَّبُّ» مصدرٌ في الأصلِ، من قولكَ: رَبَّ يرُبُّ
رَبًّا؛ إذا أصلحَ، ثُمَّ وُصِفَ به كعَدْلٍ، ورِضًا، فوزنُهُ علَى هذا «فَعْل».
وقيلَ: هُوَ اسمُ فاعلٍ، وأصلُهُ «رابٌّ»، وحُذِفَتْ ألفُهُ، كما قالوا: رَجلٌ
بارٌّ، وبَرٌّ، فوزنُهُ علَى هذا «فاعل»).
- (و(العالَمين) فيه شذوذٌ من وجهَيْنِ:
أحدهما: أنَّه اسمُ جَمْعٍ كالأنامِ، وأسماءُ الجُموعِ
لا تُجْمَعُ.
الثَّاني: أنَّه جُمِعَ بالواوِ والنُّونِ، ولَمْ
يَسْتَوفِ الشُّروطَ.
قالَ شَيخُ الجَماعةِ أبو حيَّان: والَّذي أختارُهُ: أن
يُطْلَقَ علَى المكلَّفينَ؛ لقوله تعالَى: ((إنَّ في ذلكَ لآياتٍ للعَالَمِينَ))
[الرُّوم]. وقراءةُ حَفْصٍ: ((للعالِمِينَ)) -بكسرِ اللَّامِ- تُوضِّحُهُ. ولَمْ
يَقْرأْ حَفْصٌ بكَسْرِ اللَّامِ في (العالمين) إلَّا في الرُّومِ).
- اختلَفَ النَّحويُّونَ في المصْدَرِ المنَوَّنِ النَّاصِبِ
للمفعولِ: ألَهُ فاعلٌ أم لا؟ علَى خمسةِ مذاهبِ:
(الأوَّل -وعليه الجُمهورُ-: أنَّ الفاعلَ محذوفٌ. فإن
قيلَ: الفاعِل لا يُحْذَفُ؛ قيلَ: ذلك في الفِعْلِ، لا في المصدرِ.
الثَّاني -وعليه الكُوفيُّونَ-: أنَّ الفاعلَ مُضْمَرٌ.
الثَّالث: مذهب أبي القاسم بن الأبرش -من نُحاةِ
الأندلسِ-: أنَّ الفاعِلَ منويٌّ إلَى جنب المصدرِ، فقالَ في قولِهِ تعالَى: ((أوْ
إطعامٌ في يومٍ ذِي مَسْغَبَةٍ)) [البلد] التقدير: أو إطعامُ إنسانٍ. قال: ودلَّ
عليه ذِكْرُهُ الإنسانَ قبلَهُ. وهذا لا يطَّرِدُ له؛ ألا تَرَى أنَّكَ تقولُ: عجبتُ
من ركوبٍ الفَرَسَ، وليس هُنا شيءٌ مُتقدِّمٌ يدلُّ على الفاعِلِ كما في الآيةِ.
الرَّابع: مذهب السِّيرافيِّ: أنَّ المصدرَ ليس فيه
فاعِلٌ، لا محذوفٌ، ولا مُضمَرٌ، والمنصوبُ بعدَهُ كدِرْهَم بعد عِشرينَ. وهو
مذهبٌ مردودٌ.
الخامس: مذهب الفرَّاء: أنَّ المصدرَ لا يجوزُ أن
يُلفَظَ بالفاعِلِ بَعدَهُ، قالَ: لأنَّه لَمْ يُسْمَعْ في لسانِ العَرَبِ. فإن
قُلْتَ: قد سُمِعَ في قولِ الشَّاعِرِ:
حَرْبٌ تَرَدَّدُ بينهم بتشاجُرٍ * قد كفَّرَتْ آباؤُهَا
أبناؤُها
ألا تَرَى أنَّ «أبناؤُها» فاعلٌ ﺑ«تشاجُر»؟ فالجوابُ:
أنَّ هذا البيتَ لا حُجَّةَ فيه؛ إذ محملُ البيتِ علَى أنَّ «آباؤُها» مبتدأ،
و«أبناؤُها» خبر، والتقدير: آباؤُها في ضعفِ الحُلومِ مثل أبنائِها. ويدلُّ علَى
ما ذكرْنا قولُهُ في البيتِ قبلَهُ:
هيهاتَ، قد سَفِهَتْ أُمَيَّةُ رأيَها * فاستَجْهَلَتْ،
حُلَماؤُها سُفَهاؤُها
أي: حُلماؤُها مثل سفهائها.
ويلزم أيضًا في البيتِ علَى جعل «أبناؤُها» فاعلًا
ﺑ«تشاجُر» الفصل بين المصدر، ومعموله.
وإلَى مذهبِ الفرَّاءِ مالَ الشَّيخُ أبو حيَّان،
ونَصَرَهُ، وتأوَّل ظواهر سيبويه).
- (نَصُّوا علَى أنَّ «فِعُلًا» -بكَسْرِ الفاءِ، وضَمِّ
العَيْنِ- لَيْسَ مِنْ أبنيةِ الأسماءِ).
- (السَّاكن حاجِزٌ غير حصينٍ).
- «فِعَل» (موجودٌ في الأسماءِ؛ نحو: عِنَب، وضِلَع.
وأمَّا في الصِّفاتِ؛ فقالَ سيبويه: لا نعلمُه جاءَ صفةً إلَّا في حرفٍ واحدٍ
معتلٍّ، يُوصَفُ به الجمعُ؛ وهو: قومٌ عِدًى. انتهى. قال الشَّاعِرُ:
إذا كُنتَ في قومٍ عِدًى لستَ منهُمُ * فكُلْ ما
عُلِفْتَ من خبيثٍ وطيِّبِ
وقد استدركَ الفارسيُّ وغيرُهُ علَى سيبويه أشياءَ إذا
تُؤُمِّلَتْ لَمْ تنهَضِ استدراكًا).
- ذَكَرَ سيبويه أنَّه لَمْ يأتِ «فِعِل» في الأسماءِ إلَّا
«إِبِل». واستدركوا عليه أشياء.
- حَذْفُ حَرْفِ القَسَمِ -في غيرِ لَفْظِ الجلالةِ-
غيرُ جائزٍ عند البصريِّينَ، ولا يُقاسُ عليه.
- («كم» الاستفهاميَّة بُنِيَتْ لتضمُّنِها حَرْفَ
الاستفهامِ، و«كم» الخبريَّة بُنِيَتْ بالحَمْلِ عليها).
- (واعْلَمْ أنَّ الضَّميرَ لا يبرزُ في (هيتَ) في حال
تثنيةٍ، ولا جمعٍ؛ لأنَّه اسمُ فِعْلٍ؛ بل يستكنُّ مُطْلَقًا، وينوبُ عنه ما
بعدَهُ؛ فتقول: هيتَ لكَ، هيتَ لكِ، هيتَ لكما، هيتَ لكم، هيت لكنَّ).
- (واختُلِفَ في أسماءِ الأفعالِ: فمذهبُ أكثرِ
البصريِّينَ أنَّها أسماءٌ، وهو الصَّحيحُ. ومذهب الكوفيِّين أنَّها أفعالٌ.
وفرَّقَ بعضُ نُحاةِ الأندلسِ، فقالَ: ما كان ظرفًا أو مصدرًا في الأصلِ؛ نحو:
حِذْرك، وفَرْطك، وعِنْدك؛ فهو اسمٌ، وما كانَ غير ذلك؛ نحو: صَه، ورُوَيْد؛ فهو
فِعْلٌ. وحُجَجُهم مُستوفاةٌ في كتبِ النَّحوِ. والَّذين قالوا باسميَّتِها
اختلفوا. فمنهم من قالَ: هي أسماءٌ للأفعالِ، بمنزلة «زيد» اسمًا للشَّخص. ومنهم
من قالَ: هي أسماءٌ مُرادفة للمصادرِ الَّتي هي موضوعة موضع الفعل، وهذا هو
الصَّحيح، وهو مذهب أبي عليٍّ. وثَمَّ مذهبٌ ثالثٌ؛ وهو أنَّها أسماء للفعل
والفاعل، وهو مذهب مردودٌ).
- (والجُمَلُ مِنْ حيثُ هي مَبْنِيَّة، فيُبْنَى ما
يُعْطَى مَعْنَاها؛ قالَهُ ابنُ النَّحويَّة).
- (وحُكْمُ المبْنِيِّ ألَّا يُقْلَبَ فيه الألِفُ ياءً؛
ألا تَرَى أنَّهم قالوا في «هذا»: هذان، ولَمْ يقولوا: هذيان).
- (الكسرة في جمع المؤنَّث السالم نظيرة الفتحةِ في المفرَدِ).
- (ومِنْ أحكامِ «هيهات» أنَّه لا يُسْتَعْمَلُ في
الأكثَرِ إلَّا مُكرَّرًا -كالآيةِ-، وقد يُستَعْمَلُ غيرَ مُكرَّرٍ؛ قال
الشَّاعِرُ:
فهَيْهَاتَ هَيْهَاتَ العَقيقُ وأهلُهُ * وهَيْهَاتَ
خِلٌّ بالعَقيقِ نُواصِلُهْ
فجَمَعَ بينَ التَّكريرِ وعدمِه.
ومن مجيئِه مُفرَدًا قولُهُ:
هيهاتَ قد سَفِهَتْ أُمَيَّةُ رأيَها * واستَجْهَلَتْ،
حُلَماؤُها سُفَهاؤُها).
- (فإن قيلَ: فما فائدةُ المجيءِ بأسماء الأفعالِ بدلَ
أفعالِها؟
قلتُ: الاختصار، والمبالَغة.
أمَّا الاختصارُ؛ فإنَّ لفظَها مع المذكَّر والمؤنَّث
والمُثنَّى والمجموع واحدٌ، وليس كذلك الفِعل.
وأمَّا المبالَغةُ؛ فإنَّ قولَك: «بَعُدَ زَيْدٌ» ليس
فيه من المبالَغةِ ما في قولكَ: «هيهاتَ زيدٌ»؛ فإنَّ قولَك: «بَعُدَ زَيْدٌ»
يُفْهَمُ منه مُطْلَقُ البُعْدِ، وإذا قُلْتَ: «هيهاتَ زيدٌ»؛ فمعناه: بَعُدَ زيدٌ
جِدًّا؛ أي: بلغَ في البُعْدِ غايتَه).
- (ما اختصَّ مِنَ الحُروفِ بالأسماءِ، ولَمْ يكُن
كالجُزْءِ منها؛ فالأصلُ فيه أن يعملَ الجَرَّ).
- (واختُلِفَ في شَرْطِ صفة النَّكرة إذا كانَتْ بدلًا
من معرفةٍ؛ فمنهم من اشترطه، ومنهم من لم يشترطْهُ).
- قال تعالَى: ((ما يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّن
رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إلَّا اسْتَمَعُوهُ وهُمْ يَلْعَبونَ - لاهِيةً قُلُوبُهُمْ))
[الأنبياء].
(في هذه الآية الكريمة لطيفةٌ؛ وهو: توالي أربع أحوال؛
فـ(مُحْدث) -في مَن نصبَ- حالٌ من ((ذِكْرٍ))، و((إلَّا استَمَعوهُ)) حالٌ من
المفعول في ((ما يأتيهِم))، و((هُمْ يلعبونَ)) حالٌ من الضَّمير المفعول في
((استمَعوهُ))، و((لاهيةً)) حالٌ من الضَّمير في ((يلعَبونَ)).
ونظيرُ هذه الآيةِ في توالي الحالاتِ قوله تعالَى: ((وما
لَكُمْ لا تُؤمِنونَ باللهِ والرَّسولُ يدعوكُمْ لِتُؤْمِنوا بربِّكُمْ وقد أخذَ
مِيثاقَكُمْ)) [الحديد]؛ فقوله تعالى: (( لا تؤمِنونَ)) حالٌ، ((والرَّسولُ
يَدْعوكُم)) حالٌ ثانية، ((وقَدْ أَخَذَ مِيثاقَكُمْ)) حالٌ ثالثة.
ومِن توالي الحالاتِ: قوله تعالى: ((إذا وَقَعتِ
الواقعةُ - لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبِةٌ - خافِضَةٌ رَّافِعَةٌ)) [الواقعة] في
قراءة زيد بن عليٍّ؛ فإنَّه قرأ بنصب ((خافِضَةٌ رَّافِعَةٌ)). و((لَيْسَ
لِوَقْعَتِها)) جملة في موضع الحال من ((الواقِعة))؛ أي: إذا وقعَتْ صادقةً.
و(خافضةً)، و(رافعةً) حالانِ منها أيضًا).
- (إن قيلَ: لأيِّ شيءٍ جيءَ بضمير مَن يعقِلُ في قولِه
تعالى: ((فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا)) والأصنامُ لا تَعْقِلُ؟ قيلَ: إنَّما كان ذلك؛
لأنَّها عندهم بمنزلة من يعقِلُ).
- «فِعْل» بمعنَى «مفعول» يَسْتَوِي فيه المذكَّر، والمؤنَّث،
والواحِد، والجَمْع. مثل: الذِّبْح، بمعنَى: المذبوح، والطِّحْن، بمعنَى: المطحون.
- (شَدَّ يشدُّ: يُروَى بالضَّمِّ علَى القِياسِ،
وبالكَسْرِ سماعًا).
- لَيْسَتِ اللَّامُ في نَحْوِ: (سَقْيًا لزَيْدٍ)
مُتعلِّقةً بالمصْدَرِ (سَقْيًا)؛ لأنَّهم قالوا: سقيًا لزيدٍ، ولم يقولوا:
سَقْيًا زيدًا؛ فدلَّ هذا علَى أنَّ المجرورَ لعاملٍ آخَر خلاف المصدرِ.
- (وقراءةُ الرَّفْعِ [((الحَمْدُ للهِ)) في فاتحةِ
الكتابِ] أبلغُ مِن قراءةِ النَّصْبِ؛ ولهذا أجمعَ السَّبعةُ عليها؛ لأنَّ قراءةَ
الرَّفعِ تُؤْذِنُ باستغراقِ الحَمْدِ، وقراءة النَّصب تؤذن بحمدٍ مخصوصٍ؛ أعني:
حمد المتكلِّم، ولأنَّ قراءة الرَّفع تؤذن بالثَّباتِ، والاستقرارِ، وقراءة
النَّصب تؤذن بالتجدُّدِ. ألا ترَى قوله تعالى: ((قالُوا سَلامًا قالَ سَلامٌ))
[هود]؛ فعبَّر عن تحيَّة إبراهيم -عليه السَّلام- بالرَّفعِ؛ تنبيهًا علَى أنَّ
تحيَّتَه خيرٌ من تحيَّتِهم؛ لِمَا في الرَّفْعِ من الثُّبوتِ، والاستقرارِ).
- (والإِتْبَاعُ وإنْ كانَ شاذًّا؛ فهو بابٌ متَّسِعٌ،
ولا تنافِيَ بينَ شُذوذِهِ، واتِّساعِ بابِهِ، فلذلك يكونُ في كلمةٍ واحدةٍ...
ويكونُ في كلمتَيْنِ؛ نحو قولِهم: «قَدُمَ وحَدُثَ»، بِضَمِّ الدَّالِ مِنْ
«حَدُثَ»، والأصلُ فيه فَتْحُها، فإذا استُعْمِلَ وَحْدَهُ؛ فُتِحَتِ الدَّالُ،
وإذا استُعْمِلَ مع «قَدُمَ»؛ ضُمَّتْ؛ إتباعًا لضَمَّةِ «قَدُمَ».
ومِنْهُ قَوْلُهُم: هَنَأَني الطَّعَامُ ومَرَأَني؛
وإنَّما الكلامُ: أَمْرَأَني...
ومنه قولهم: «إنَّ فُلانًا ليأتينا بالغدايا والعشايا»؛
فجمع «غداة» علَى «فعائل»؛ ليزدوجَ مع «العشايا» جمع «عشِيَّة»، وحَقُّ «الغَداة»
ألَّا تُجْمَعَ على «فعائل»؛ لأنَّها «فَعْلَة». وفي هذا نَظَرٌ؛ لأنَّهم قد قالوا
في «الغَداة»: «غَدِيَّة»، علَى وَزْنِ «عَشِيَّة»؛ ذَكَرَه ابنُ الأعرابيِّ في
«نوادره»، وأنشدَ عليه:
ألا ليتَ حظِّي من زيارةِ أُمِّيَهْ * غَدِيّاتُ قَيْظٍ
أو عَشِيّاتُ أَشْتِيَهْ
فعلى هذا: يكونُ «الغَدايا» قياسًا مثل «العشايا»، لا
للإتباعِ...).
- (و«الْحَمْدُ» مَصْدَرٌ، لا يُثَنَّى، ولا يُجْمَعُ.
وأمَّا قولُ الشَّاعِرِ:
وأبلجَ محمودِ الثنايا خَصَصْتُهُ * بأفضلِ أقوالي
وأفضلِ أَحْمُدِي
فإنَّما جَمَعَهُ؛ لأنَّه راعَى فيه الأنواعَ،
والاختلافَ، والمصدرُ إذا رُوعِيَ فيه ذلك؛ ثُنِّيَ، وجُمِعَ.
والفِعْلُ مِنْهُ: حَمِدَ، بكسرِ الميم، وقد سُمِعَ فيه
الفَتْحُ).
- «فُعِّيل» وَزْنٌ غريبٌ، فَمَنْ أثْبَتَهُ؛ جَعَلَ
مِنْه: «مُرِّيقًا»، و«سُرِّيَّة»، و«مُرِّيخًا»، و«عُلِّيَّة»، و«ذُرِّيَّة».
ومَن لم يُثْبِتْهُ؛ أوَّلَ هذه الأشياءَ.
- «فَعِّيل» وَزْنٌ عزيزٌ، لَمْ يُحْفَظُ مِنْهُ إلَّا
«السَّكِّينة» بفَتْحِ السِّين، وتشديدِ الكافِ، وهي لُغَةٌ في «السَّكِينة»
بتخفيفِ الكافِ.
- (قالَ الأزهَرِيُّ: سَمِعْتُ غيرَ واحدٍ من العَرَبِ
يقولُ للزُّهرةِ مِن بينِ الكَواكبِ: كَوْكَبة، يُؤنِّثُهَا، وسائرُ الكواكبِ
تُذَكَّرُ).
- قال اللهُ -عزَّ وجلَّ-: ((ص - والقرآنِ ذِي الذِّكْرِ
- بَلِ الَّذينَ كَفَرُوا في عِزَّةٍ وشِقاقٍ)).
(واختلفوا في جوابِ القَسَمِ اختلافًا كبيرًا:
فقيلَ: هُو مذكورٌ. واختُلِفَ في تعيينِهِ؛ فقيلَ:
((إنَّ ذلكَ لَحَقٌّ)). وقيلَ: ((إن كُلٌّ إلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ)). وقيلَ:
((كَمْ أَهْلَكْنَا)) علَى حَذْفِ اللَّامِ؛ أي: لَكَمْ. وقيلَ: (ص)، والتَّقديرُ:
والقرآنِ ذي الذِّكْرِ، صَدَقَ مُحمَّدٌ، وهذا مبنيٌّ علَى تقدُّمِ جوابِ
القَسَمِ، وعلَى أنَّ (ص) حرفٌ مُقتطَعٌ.
وقيلَ: الجوابُ محذوفٌ. واختُلِفَ في تقديرِهِ؛ فقيلَ:
تقديرُه: لقد جاءكم الحَقُّ. وقيلَ: تقديرُه: إنَّه لَمُعجِزٌ. وقيلَ: ما الأَمْرُ
ما تزعمونَ.
قال الشَّيخ أبو حيَّان: وينبغي أن يُقدَّرَ هنا ما
أُثْبِتَ جوابًا للقرآنِ حينَ أُقْسِمَ به، وذلك في قوله تعالى: ((يس - والقرآنِ
الحكيمِ - إنَّكَ لَمِنَ الـمُرْسَلِينَ))؛ فيكون التَّقدير: والقرآن ذي الذِّكر،
إنَّك لَمِنَ المرسَلينَ. قالَ: ويُقَوِّي هذا التَّقدير ذِكْرُ النِّذارةِ هُنا
في قولِهِ تعالى: ((وعَجِبُوا أَن جاءَهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ)) [ص]، وقالَ
هُناكَ: ((لِتُنذِرَ قَوْمًا)) [يس]، فالرِّسالة تتضمَّن النِّذارة. انتهى.
قلتُ: وهذا الَّذي استنبطه الشَّيخُ حَسَنٌ جِدًّا.
ونظيرُه ما استنبطه ابنُ جنِّي من قوله تعالى: ((سُورةٌ أَنزَلْنَاهَا)) [النور]،
في مَن قرأَ بالنَّصْبِ، حينَ اختلفَ النُّحاةُ في النَّاصبِ؛ فقال قومٌ:
التَّقدير: اقرأْ، وقالَ قومٌ: اتْلُ. قالَ ابنُ جنِّي: ينبغي أن يكونَ
التَّقديرُ: تَدَبَّرْ سُورةً؛ كقولِه تعالى: ((أفَلا يَتَدَبَّرُونَ القرآنَ))
[محمد]).
- مِنْ أوجُه (ذُرِّيَّة): (أن تكونَ (فُعْلِيَّة) علَى
وجهِ النَّسبِ إلى (الذَّرِّ)، فالياءُ للنَّسَبِ، وضمُّ الذَّالِ مِن تغيُّرِ
النَّسَبِ، كما قالوا في النَّسَبِ إلَى الدَّهْرِ: دُهْرِيّ).
- (والجارُّ والمجرورُ مِن قَوْلِه تعالَى: ((ومِن
ذُرِّيَّتِي)) يتعلَّقُ بمحذوفٍ، التَّقدير: واجْعَلْ فريقًا من ذُرِّيَّتي
إمامًا، فحُذِفَ الفعلُ والمفعولانِ؛ لدلالةِ ما تقدَّم عليه).
- قالَ الله -عزَّ وجلَّ-: ((وكأيِّن مِّن نَّبِيٍّ
قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُونَ كَثيرٌ)).
(قُرِئَ في السَّبْعِ: ((قاتَلَ))، و((قُتِلَ)) بالبناء
للمفعولِ، وتخفيف التَّاء. وقرأ قتادةُ: (قُتِّلَ) بالبناء للمفعولِ، وتشديد التَّاءِ.
والفعلُ في هذه القراءاتِ يحتمل أن يكونَ فاعلُه ضميرًا مستترًا. والتَّشديد في
قراءة قتادةَ للتَّكثير بالنِّسبةِ إلَى الأشخاص، لا لكُلّ فرد فرد؛ لأنَّ القتلَ
لا يتكثَّرُ في كلِّ فرد. و((مَعَهُ رِبِّيُونَ)) جملة من مبتدإٍ وخبرٍ في موضع
الحالِ، والعائد: الضَّمير في (معه). ويحتمل أن تكونَ ((ربِّيونَ)) هو الفاعل؛ فلا
يكون في الفعل ضمير).
- قالَ الله تعالَى: ((لا يَسْتَوِي القَاعِدُونَ مِنَ
الـمُؤْمِنينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ)).
وَجْهُ رَفْعِ (غير): (أنَّها مرفوعة علَى البَدَل من
(القاعدين)، وقيل: هو أولَى من النَّعتِ؛ لأنَّهم نصُّوا علَى أنَّ الأفصحَ بعد
النَّفي البدل؛ كقوله تعالى: ((مَا فَعَلُوهُ إلَّا قَلِيلٌ مِّنْهُمْ)) [النساء]،
ولأجلِ هذا اجتمعَ القرَّاء السَّبعة عليه إلَّا ابن عامر، ثمَّ النَّصب على
الاستثناء -كقراءة ابن عامر-، ثمَّ الصِّفة؛ فالصّفة علَى هذا في رتبةٍ ثالثةٍ.
ولأنَّه يلزم من إعراب (غير) هنا نعتًا: نعتُ المعرفة بالنَّكرةِ؛ لأنَّ (غيرًا)
نكرة، وإن أُضيفَتْ إلى معرفةٍ. ومذهب سيبويه ومَن تَبِعَهُ: أنَّ (غيرًا) هنا
صفة، ويعتذر عمَّا يلزمه من وصف المعرفة بالنَّكرة بأن يقدّر في (القاعدين)
الشّياع؛ لكونهم غير مُعيَّنين، فكأنَّهم نكرات؛ فلذلك وُصِفَ بالنَّكرةِ، أو
يقدّر إخراج (غير) عن وضعِها؛ فيقدّر فيها التَّعريف، هذا هو مذهب سيبويه، وما
يلزم عليه).
- («غير» اسم مفرَد مذكَّر دائمًا، وإذا أُريدَ به المؤنَّث؛
جازَ تذكير الفعلِ؛ حملًا علَى اللَّفظِ، وجازَ تأنيثُه؛ حملاً علَى المعنَى،
ومدلولُه المخالَفةُ بوجه ما، وأصلُه الوصف، ويُسْتَثْنَى به، ويلزم الإضافةَ
لفظًا، أو معنًى، وإدخال «أَلْ» عليه خطأٌ).
- قال الله تعالَى: ((قُلْ أغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ
وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ)).
وجهُ جَرِّ (فاطرِ): (الجرّ علَى النَّعت للفظِ
الجلالةِ، أو علَى البدلِ، والبدلُ أحسنُ؛ للفصلِ بين النَّعتِ والمنعوتِ، ويسهل
الفصلُ بين البدلِ والمبدلِ منه؛ لكونِ البدلِ علَى تقديرِ تَكرارِ العامل).
- قال الله تعالَى: ((النَّار وعدَها اللهُ الَّذينَ
كفروا)).
(الضَّمير في ((وَعَدَها)) يحتمل أن يكونَ المفعول
الأوَّل؛ فتكون ((النَّار)) موعودة بالكفَّار، يُؤيِّده: ((هَلْ مِن مَّزيدٍ))
[ق]. ويحتمل أن يكون الضَّمير المفعول الثاني، و((الَّذين كفروا)) هو المفعول
الأوَّل؛ فيكون ((الَّذين كفروا)) موعودين بالنَّار، يُؤيِّده: ((وعدَ اللهُ
المنافقينَ والمنافقاتِ والكُفَّار نارَ جهنَّمَ)) [التوبة]).
- (آوَى: معناه: ضَمَّ. يُقالُ: آواه يُؤويهِ إيواءً؛
إذا ضمَّهُ. وأَوَى إذا كانَ قاصِرًا؛ فالهمزةُ في أوَّلِهِ مقصورةٌ؛ قال تعالى:
((إذْ أَوَى الفتيةُ إلَى الكهفِ)) [الكهف]، وإذا كان متعدِّيًا؛ كانَتْ ممدودةً؛
قالَ تعالى: ((وآويناهُما)) [المؤمنون]، وقد اجتمع الأمران في قوله -صلَّى الله
عليه وسلَّم-: «فَأَوَى إلى اللهِ فآواهُ اللهُ»، هذا هو الأفصحُ).
- («الرِّعاء» جمع تكسيرٍ، الواحد راعٍ، وهو شاذٌّ؛
لأنَّ وجهَه أن يكونَ «رُعاة»؛ كقاضٍ وقُضاة، وأخطأ الزَّمخشريُّ في جعلِه قياسًا؛
قالَه الشَّيخ أبو حيَّان).
- (الـمُحْصَن) -بفتحِ الصَّادِ- اسمُ مفعولٍ. (ويُمْكِنُ
أن يكونَ اسمَ فاعلٍ علَى ما نَقَلَهُ ثعلبٌ عن ابنِ الأعرابيِّ: مِنْ أنَّ
(أحصَنَ) يكونُ اسمُ الفاعلِ منه (مُفْعَلًا) بفتحِ العينِ، وهو شاذٌّ).
- «السَّعْدان» -لنَبْتٍ- اسمُ جَمْعٍ؛ لأنَّ
«فَعْلانًا» ليس من أبنيةِ الجُموعِ.
- (الصِّنْوُ -في اللُّغةِ-: الفَرْع يجمَعُهُ وآخرَ
أصلٌ واحدٌ، وأصلُه المِثْل، ومنه قيلَ للعمّ: صِنْو. وتثنيته: صِنْوان، وجمعه:
صِنْوان. والفرقُ بينهما: أنَّ النُّونَ في التَّثنيةِ مكسورةٌ، وأنَّ النُّونَ في
الجمعِ يجري عليها الإعرابُ، وأنَّ الألفَ في التَّثنيةِ علامة إعراب، وتُقلبُ ياءً
في النَّصْبِ والجَرِّ، والألفَ في الجمعِ ثابتةٌ علَى حالِها، ولا تدلُّ علَى
إعرابٍ. ونظيرُ صِنْو وصِنْوان: قِنْو وقِنْوان، ولا ثالثَ لهما). علَّقَ المحقِّقُ:
(وفي «ليسَ 159» زادَ: الرِّئْد: المثل، وجمعُه وتثنيته: رِئْدَان).
- الفِعْلُ (صَدَّ) يتعدَّى، ولا يتعدَّى.
- «كُلٌّ»: لَفْظُها مُفرَدٌ، ومعناها جَمْعٌ، وإذا
حُذِفَ ما يُضافُ إليه؛ جازَ مُراعاةُ معناها؛ نحو قولِهِ تعالَى: ((كُلٌّ لَّهُ
قَانِتُونَ))، وقولِهِ -عزَّ وجلَّ-: ((وكلٌّ كانوا ظالِمينَ))، وقولِهِ -سبحانه-:
((وكلٌّ أتَوْهُ دَاخِرينَ)). وهُوَ الأكثرُ. ويجوزُ مُراعاةُ اللَّفظِ؛ كقولِهِ
تعالى: ((كُلٌّ يَعْمَلُ علَى شَاكِلَتِهِ)).
- (وقوله -سبحانه-: ((بديعُ)) هو صفة مشبَّهة باسم
الفاعلِ، التَّقدير: مُبدِع. و((السَّمَاوَاتِ)) مُشبَّهة بالمفعولِ. والأصل:
بديعٌ سماواتُهُ، برفعِ (السماوات) علَى الفاعليَّةِ؛ نحو: (حَسَنٌ وجهُه)، ثُمَّ
نقَلوا الضَّميرَ من ((السَّماوات)) إلى ((بديع))؛ فصارَ فاعلًا، وانتصب
((السَّماوات)) علَى التَّشبيهِ بالمفعولِ به، ثُمَّ بعد النَّصب جرّوها
بالإضافةِ؛ فجرُّها -الآنَ- من نصبٍ، ونصبُها من رفعٍ).
- (واعْلَمْ أنَّ (الغشاوة) -في اللُّغةِ-: الغِطاء؛
يُقال: غشَّاه؛ إذا غطَّاهُ. وصحَّحوا الواوَ؛ لأنَّها تحصَّنَتْ بالتَّاءِ،
فَلَمْ تَقَعْ طَرَفًا. ومثله: الشّقاوة. والواو من (الغشاوة) بدلٌ من ياءٍ؛
دليله: الغَشَيان. قال أبو عليٍّ الفارسيُّ: لَمْ أسمعْ من (الغشاوة) فعلًا
متصرِّفًا بالواوِ. جَعَله من الياءِ، ونظَّره بالجِباوةِ. قالَ: هُوَ من
جَبَيْتُ. فالواوُ عندَه بدلٌ من ياءٍ. قُلْتُ: وفي تنظيرِ أبي عليٍّ نَظَرٌ؛
لأنَّه يُقالُ: جَبَيْتُ، وَجَبَوْتُ؛ فإذن: الجباوة مِن جَبَوْتُ، لا مِن
جَبَيْتُ).
- (وقالَ أبو مِجْلَز: ((بَلاغٌ)) مبتدأ، وخبره
((لَهُمْ)) المتقدِّم في: ((ولا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ))، وكانَ يَقِفُ علَى: ((ولا
تَسْتَعْجِل))، ويبتدئ: ((لهم))، وفيه من التكلُّفِ وإخراج الكلامِ عن أُسلوبِهِ
ما يُغني عن رَدِّهِ).
- قِنْوان -بالكسرِ-: (لغة أهل الحجاز، وهو جَمْعُ
كثرةٍ، ومفرده: قِنْو، وجمع القلَّة: أقناء؛ كعِدْل وأعدال).
- (... لعَمْرُكَ لأفعلنَّ؛ أي: لَعَمْرُكَ قَسَمي لأفعلنَّ.
ومنهم من قالَ: إنَّ المقْسَمَ به إذا كانَ مُبتدأً لا يحتاجُ إلى خبرٍ؛ لأنَّ
الفائدةَ قد حَصَلَتْ بدونِهِ، فتقديرُهُ لَغْوٌ. والصَّحيحُ تقديرُهُ، وإن كانَتِ
الفائدةُ حاصلةً بدونِهِ؛ طَرْدًا للقاعدةِ؛ ألا تَرَى أنَّكَ إذا قُلْتَ: زيدٌ
لقائم؛ ففي (قائم) ضميرٌ، وإن كانَ الرَّبطُ قد حَصَلَ بدونِهِ).
- (جواب القَسَم لا يكونُ إلَّا جُملةً، ولا تنحَلُّ
إلَى المفْرَدِ).
- وَجْهُ قراءةِ (مالكِ يَوْمِ الدِّينِ) -بالألفِ وخفضِ
الكافِ-: (أنَّه نعتٌ للهِ. وهو اسمُ فاعلٍ أُريد به المضيّ؛ فإضافتُهُ محضةٌ؛ فلا
إشكالَ؛ لنعتِ المعرفةِ بالمعرفةِ. ويُؤيِّدُ أنَّ المرادَ به المضيّ: قراءة مَن
قرأَ: (مَلَكَ) فعلًا ماضيًا. فإنْ أُريدُ به الاستقبالُ -وهو الظَّاهِرُ؛ لكونِ
اليوم عبارة عن يومِ القيامة-؛ ففيه إشكالٌ؛ لأنَّ إضافته غير محضةٍ؛ فيَلزم منه
نعتُ المعرفة بالنَّكرةِ. فالجوابُ أن يُقالَ: كلُّ ما إضافتُهُ غيرُ مَحضةٍ -إلَّا
الصِّفة المشبَّهة- قد يُنوَى فيه المحضة؛ فيُلحظ فيه أنَّ الموصوف صار معروفًا
بذلك الوَصفِ، من غيرِ نَظرٍ إلى زمانٍ. قال الشَّيخ أبو حيَّان: وهذا الوجه غريب
النَّقلِ، لا يعرفُه إلَّا من له اطِّلاعٌ علَى كتاب سيبويه، وتنقيبٌ علَى
لطائفه).
- (الصَّحيح مِنَ الخَفْضِ علَى الجِوارِ -علَى
قِلَّتِهِ- ألَّا يكونَ إلَّا في النَّعتِ، لا في العَطْفِ. وقيلَ: هُوَ مختصٌّ
بالشِّعْرِ).
- (ولا يضرُّ الفَصْلُ بالجُملةِ بينَ المعطوفِ
والمعطوفِ عليه. قالَ أبو البقاءِ: هو جائزٌ، ولا خِلافَ فيه).
- (الأمر إذا وقعَ بعدَهُ ساكِنٌ؛ فتحريكُ آخِرِهِ
بالفَتْحِ رَديءٌ).
- (... وهذا القولُ نسَبَهُ الشَّيخُ أبو حيَّان إلَى
الزَّجَّاجِ. وقالَ بُرهانُ الدِّين السَّفاقسيُّ في جَمْعِهِ إعراب أبي حيَّان:
وَلَمْ أرَ هذا للزَّجَّاجِ في «معانيه». قلتُ: لا يلزمُ أن تكونَ أقوالُ
الزَّجَّاجِ كلُّها موجودةً في «معانيه»، والزَّجَّاجُ بحْرُ عِلْمٍ زَاخِرٌ،
«معانيه» قطرةٌ من ذلك البَحْرِ).
- (وأمَّا قراءةُ الرَّفْعِ [((ويَعْلَمُ
الصَّابِرِينَ))]؛ فنُسِبَتْ إلى أبي عَمْرٍو، ووجهُها: أنَّ الواوَ فيه واو
الحال؛ قاله الزَّمخشريُّ، وهو محمولٌ علَى إضمارِ المبتدإِ؛ التَّقدير: وهو
يعلمُ، وإلَّا لَزِمَ دُخولُ الواوِ الحاليَّةِ علَى الفعلِ المضارِعِ).
- (والعَطْفُ علَى الضَّميرِ المخفوضِ مِنْ غَيْرِ
إعادةِ الخافضِ جائزٌ في السَّعَةِ -نَظْمًا ونَثْرًا- عند المحقِّقينَ، وبه قالَ
أكابِرُ الكوفيِّين، ويونُس، وأبو الحَسَن الأخفش، وإليه ذَهَبَ شيخُ نُحاة
الأندلس الأُستاذ أبو عليٍّ الشلوبين. والدَّليلُ علَى جوازِه القياسُ والسَّماعُ:
أمَّا القياسُ؛ فكما يجوزُ أن يؤكَّدَ ويُبدلَ منه بغيرِ
إعادةِ خافضٍ؛ فكذلك يُعطف عليه من غيرِ إعادة خافضٍ.
وأمَّا السَّماعُ؛ فقد وَرَدَ نَظْمًا ونَثْرًا:
أمَّا النَّثْرُ؛ فهذه القراءةُ [قراءة حَمْزة:
((واتَّقوا اللهَ الَّذي تَسَاءَلُونَ بهِ والأرْحَامِ)) بالجَرِّ]، وكفَى بها
دليلاً علَى ذلك؛ فإنَّها قراءةٌ مُتواتِرةٌ، قرأَ بها حمزة من الأئمَّة
السَّبعةِ، وهو ثبتٌ في ما نَقَلَ، لَمْ يقرأْ حَرْفًا من كتابِ الله تعالى إلَّا
بأثرٍ صحيح عن رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-، وقد قرأَ بها مَن تقدَّمَ
ذِكْرُهُ من الصَّحابةِ والتَّابعينَ. فَمَن لَحَّنَ حَمْزَةَ أو وَهَّمَهُ؛ فقد
كَذَب، ويُخْشَى عليه أن يؤولَ قولُهُ إلى الكُفْرِ.
ومِمَّا يدلُّ علَى صِحَّةِ العَطْفِ علَى الضَّميرِ
المخفوضِ من غيرِ إعادةِ الخافضِ -أيضًا-: قولُه تعالَى: ((وكُفْرٌ بِهِ
والْمَسْجِدِ الْحَرَامِ)) [البقرة]. وهاتان الآيتان لو أُوِّلتا علَى غيرِ العطفِ
علَى الضَّميرِ المخفوضِ؛ لَخَرَجَتَا عَنْ أُسلوبِ الفصاحةِ، وحُسْنِ التَّأليفِ.
فيجبُ اطِّراحُ ما عدَا ذلك من التَّأويلاتِ؛ كَمَن جَعَلَ الواو في ((والأرحام))
واو القسم، وجرّ به (الأرحام)، وكَمَنْ جَرَّ ((والمسجدِ الحرامِ)) بالعطفِ علَى
((سبيلِ اللهِ))، إلى غيرِ ذلك من التَّأويلاتِ.
ومِن كلامِ العَرَبِ نثرًا: قولُه: «ما فيها غيرُهُ
وفرسِه» بالخَفْضِ في «فرسِه».
وأمَّا النَّظْمُ؛ فقد وَرَدَ من ذلك شيءٌ كثيرٌ بحيثُ
لا يُعدُّ ضرورةً، واتَّسَعَتِ العَرَبُ فيه).
وساقَ الشَّواهِدَ، ثُمَّ قالَ:
(وقد وقفتُ علَى ما وَرَدَ من ذلك نظمًا ونثرًا؛ ممَّا
يدلُّ علَى كثرةِ العطف على الضَّمير المخفوضِ من غير إعادة الخافضِ. وإن كانَ
بعضُ البصريِّينَ قد ذهبوا إلَى مَنْعِ ذلك. فليست القراءةُ مُتوقِّفةً علَى مذهبِ
البصريِّين ولا الكوفيِّين؛ بل إذا صَحَّتِ القراءةُ وتواترَتْ؛ فهي أكبرُ حُجَّةٍ
علَى صِحَّةِ الحُكْمِ، وكَم من حُكْمٍ ثَبَتَ بقولِ الكوفيِّينَ لَمْ يُثْبِتْهُ
البصريُّونَ، وكم من حُكْمٍ ثبتَ بقولِ البصريِّينَ لَمْ يُثْبِتْهُ الكوفيُّونَ،
فلسنا مُلْتَزِمين قَوْلَ أحدِ الطَّائفتين [كذا. وفي التَّنزيلِ: ((وإذْ
يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائفَتَيْنِ))] ؛ بل أيُّهُمْ أثبتَ حُكْمًا بنَقْلٍ
صحيحٍ عن العَرَبِ؛ أَخَذْنَا به؛ لأنَّ كِلْتَا الطَّائفتين أثْباتٌ ثقاتٌ في ما
نقلوا. وقد رَدَّتِ النُّحاةُ المعتِزلةُ هذه القراءةَ؛ جَرْيًا علَى عادتِهم في
ذلك، ولا يُلْتَفَتُ إليهم؛ لأنَّهم يُصحِّحون القراءةَ بنَحْوِهِم، والأمر
بالعكس، وكان حقهم أن يُصحِّحوا نَحْوَهم بالقراءة المتواترة. وأعجبُ شيءٍ فيهم
أنَّهم إذا سمعوا بيتَ شِعْرٍ، لا يعرفون قائلَه، قد خَرَج عن قواعدِ العربيَّةِ؛
التمَسوا له أحسنَ المخارجِ، واعتذروا عنه بأشدِّ العُذْرِ، وإذا رأَوا قراءةً
منقولةً من طريقٍ صحيح، قد اعتنَى بها الأئمَّةُ، إلَّا أنَّها قليلةُ النَّظيرِ؛
رَمَوْها عن قوسٍ واحدٍ، وطَعَنوا فيها، وكان حقهم أن يقبلوها، ويُبيِّنوا
مخرجَها، كما يصنعه أهلُ السُّنَّةِ من أهل الصَّنعةِ. والعَجَبُ -أيضًا- من ابنِ
عطيَّةَ -علَى طهارةِ لسانِهِ، وعُلُوِّ منصبِه- كيفَ مال إلَى رَدِّ هذه
القراءةِ؛ ولكنَّ الجوادَ قد يكبو، والصَّارِمَ قد ينبو. واللهَ أسأل أن يعصمَنا
من الزَّلَلِ في القولِ والعملِ).
- «إنسان» (لا يُصَغَّرُ علَى «أُنَيْسِين» بالياءِ؛ بل
المسموعُ فيه: «أُنَيْسَان»).
- (و«الرَّيحان»
أصلُه الواو، وأصلُهُ «رَيْوَحَان»، قُلِبَتِ الواوُ ياءً، وأُدْغِمَتِ الياءُ في
الياءِ؛ فصارَ «رَيَّحان»، ثُمَّ حُذِفَتْ عينُ الكلمةِ؛ كما قالوا في «مَيِّت»:
«مَيْت»).
- وَجْهُ تَحْرِيكِ الواوِ بالضَّمِّ في: ((اشْتَرَوُا
الضَّلالَةَ)): (إمَّا فرقًا بينها وبين الواوِ الأصليَّةِ في نَحْوِ: ((لَوِ
اسْتَطَعْنَا)) [التوبة]، وإمَّا لِمُجانَسةِ الواوِ، وإمَّا لأنَّها حَرَكةُ
الياءِ المحذوفةِ؛ لأنَّ الأصلَ (اشْتَرَيُوا)، وإمَّا لأنَّها ضمير فاعل؛ فهي مثل
التَّاء في (قمتُ)، وإمَّا بالحَمْلِ علَى (نَحْنُ)؛ لكونِها للجَمْعِ).
- اللُّغةُ الفصيحةُ الكثيرةُ في واوِ الجَمْعِ إذا
لاقَتْ ساكِنًا: أن تُضَمَّ.
- قالَ الله تعالَى في سورةِ البقرة: ((ولَن
يَتَمَنَّوْهُ))، فجاءَ النَّفْيُ ﺑ(لَنْ)، وفي سُورةِ الجُمُعة: ((ولا
يَتَمَنَّوْنَهُ))، فجاءَ النَّفْيُ ﺑ(لا). (فهذا دليلٌ علَى أنَّ حُكْمَ (لَنْ)
في النَّفْيِ حكم (لا)، خلافًا للزَّمَخْشَرِيِّ القائلِ بأنَّ (لَنْ) لتأبيدِ
النَّفْيِ. وقد رَجَعَ الزَّمخشريُّ عن هذا المذهَبِ؛ فانظُره في سورةِ الجُمُعةِ
في «تفسيرِه»).
- (وَهَنَ الشَّيءُ وَهْنًا: ضَعُفَ، وَوَهَنَهُ
غَيْرُهُ، يتعدَّى ولا يتعدَّى).
- («أَوْلَى»: «أَفْعل» من وَلِيَ يَلِي، وألِفُهُ
مُنقلبةٌ عن ياءٍ؛ لأنَّ فاءَهُ واوٌ، فلا تكون لامه واوًا؛ لأنَّه ليس في الكلامِ
ما فاؤُهُ واوٌ ولامُهُ واوٌ إلَّا كلمة واحدة قد ذَكَرْنَاها). [علَّقَ المحقِّقُ
قائلًا: (وهذا علَى سبيلِ الإلغازِ، ويعني بما ذَكَرَهُ «الواو»)].
وصلَّى اللهُ علَى نبيِّنا محمَّدٍ وعلَى آلهِ وسلَّم
تسليمًا كثيرًا.
والحمْدُ للهِ رَبِّ العالَمينَ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق