الاثنين، 22 يونيو 2020

في المنسرح



• (مفعولن) في ضرب المنسرح:
قالَ التِّبريزيُّ في «الوافي» (ص133) في بابِ المنسرحِ: (فعَروضُه الأُولَى (مستفعلن) سالمة، وضربُها (مفتعلن) مطويٌّ أبدًا). ثمَّ قالَ (ص135): (وقد استعملوا ضربًا آخَرَ، لم يذْكُرْه الخليلُ، ووزنُه (مَفْعُولُنْ). فمن القديمِ:
ذاكَ وقد أذعرَ الوحوشَ بصَلْـ * ـتِ الخَدِّ رحبٍ لَبانُهُ مُجْفَرْ
وقالَ الآخَر:
ما هيَّجَ الشَّوقَ مِن مُطَوَّقةٍ * قامَتْ علَى بانةٍ تُغَنِّينا
ومن المحدَثِ:
اللهُ بيني وبينَ مولاتي * أبدَتْ ليَ الصَّدَّ والملالاتِ) انتهى.
(قالَ ابنُ بري: وهذا الضَّربُ ممَّا استحسنَه المحدَثونَ، وأكثروا منه؛ لحسنِ اتِّساقِه، وعذوبةِ مساقِه، حتَّى استعملوه غيرَ مردوفٍ؛ كقولِ ابنِ الرُّوميِّ:
لو كنتَ يومَ الوداعِ شاهدَنا * وهُنَّ يُطفينَ لوعةَ الوَجْدِ
لَمْ ترَ إلَّا دُموعَ باكيةٍ * تسفَحُ مِن مقلةٍ علَى خَدِّ
كأنَّ تلك الدُّموعَ قطرُ ندًى * يقطرُ من نرجسٍ علَى وَرْدِ) انتهى من «العيون الغامزة» (ص203).

• (مفعولات) في حشو المنسرح:
 ذكرَ أبو العلاء المعرِّيُّ أنَّ الأحسنَ لوَزْنِ المنسرحِ في الغريزةِ أن يجيءَ (مفعولات) في حشوِه مطويًّا، علَى أنَّ استعمالَه غيرَ مطويٍّ كثيرٌ موجودٌ في أشعارِ الأوائلِ والمحدَثين، قالَ: (وكانَ الخليلُ يرَى أنَّه [أي: مفعولات] الأصلُ، وسعيدُ بن مَسْعَدةَ يُخالِفُه في ذلك، ويذهبُ إلَى أنَّ الزِّيادةَ شيءٌ طرأَ عليه) انتهى من «عبث الوليد» (ص183). ويُنظَر أيضًا: (ص306) منه.
وفي قولِ أبي الطيِّبِ المتنبِّي: 
ما لِـيَ لا أَمْدَحُ الـحُسَيْنَ ولا * أَبْذُلُ مِثْلَ الوُدِّ الَّذِي بَذَلَهْ
قال أبو العلاءِ المعرِّيُّ في «اللامع العزيزي» (2/ 988): (في هذا البيتِ جُزْءٌ إذا تَمَّ ثَقُلَ في الذَّوْقِ، وإنَّما يُزادُ فيه حرفٌ ساكِنٌ، وكونُهُ فيه هو الأصلُ عندَ الخَليلِ، وكان سعيدُ بن مَسْعَدةَ يذهب إلَى أنَّ الأصلَ سُقوطُه، وهو واقِعٌ موقعَ الدَّالِ الأُولَى من (الوُدِّ)، ولو خُفِّفَتِ الدَّالُ لزالَ ما ثَقُلَ في الطَّبْعِ) انتهى.
وفي قولِ أبي الطيِّبِ:
في سعةِ الخافِقَيْنِ مُضْطَرَبٌ * وفي بِلادٍ مِنْ أُخْتِهَا بَدَلُ 
قالَ أبو العلاءِ أيضًا في «اللامع العزيزيّ» (2/ 1007): (وإذا ظهرتِ النُّون في قولِه: (مِنْ أُخْتِها) تبيَّنَتِ الغريزةُ شيئًا في وزنِ البيتِ، وهو ساكِنٌ في موضعِ نونِ (مِنْ)، وثباتُ هذا السَّاكِنِ هو الأصلُ عندَ الخليلِ، وعندَ سعيد بن مَسْعَدةَ أنَّ سُقوطَه أصلٌ، وأنَّ ثباتَه فرعٌ، وإذا أُلقيت حركةُ الهمزةِ علَى النُّونِ؛ ذهبَ ما في البيتِ ممَّا يُنكرُه الطَّبع، وكانت النُّون كأنَّها ساقطةٌ؛ لأنَّك لو قلتَ: (مِ أُخْتِها بَدَلُ) فحذفت النُّون؛ لاستقامَ الوزنُ، ونقلُ حركة الهمزةِ إلى ما قبلَها لغةٌ فصيحةٌ حجازيَّةٌ، وقد رواها وَرْشٌ عن نافعٍ في مواضعَ كثيرةٍ من الكتابِ العزيزِ) انتهى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق