السبت، 20 يونيو 2020

أبيات اجتمع في الواحد منها لغتان


عقَدَ ابنُ جنِّي في «خصائصه» (1/ 371) بابًا في الفصيحِ يجتمعُ في كلامِه لُغتانِ فصاعدًا. قالَ:
(من ذلك قولُ لَبيدٍ:
سقَى قَوْمي بني مَجْدٍ وأسْقَى * نُمَيْرًا والقبائلَ مِنْ هِلالِ
وقالَ:
أمَّا ابنُ طَوْقٍ فقد أَوْفَى بذمَّتِهِ * كَما وَفَى بقِلاصِ النَّجمِ حاديها
وقال:
فظَلْتُ لَدَى البيتِ العتيقِ أُخيلُهُ * ومِطْوايَ مُشتاقانِ لَهْ أرِقانِ
فهاتانِ لُغتانِ، أعني: إثبات الواو في (أُخيلُهُو)، وتسكين الهاء في قوله: (لَهْ)، لأنَّ أبا الحسن زَعَمَ أنَّها لغةٌ لأزْد السَّراة، وإذا كان كذلك فهما لغتان. وليس إسكان الهاء في (له) عن حذفٍ لحق بالصنعةِ الكلمةَ، لكن ذاك لغة.
ومثله ما رويناه عن قُطْرُب:
وأشربُ الماء ما بي نحوَهُ عَطَشٌ * إلاَّ لأنَّ عُيونَهْ سيلُ واديها
فقال: (نحوهو) بالواو، وقال: (عيونَهْ) ساكن الهاء) انتهى.

وفي «الخصائص» (3/ 317) أيضًا بابٌ في الجمع بين الأضعفِ والأقوَى في عقدٍ واحدٍ. ومن الشَّواهدِ الَّتي ذكرَها ابنُ جِنِّي قولُ الشَّاعِرِ:
لَئِنْ فَتَنَتْني لَهْيَ بالأمسِ أَفْتَنَتْ * سعيدًا فأضحَى قد قَلَى كُلَّ مُسْلِمِ
فجمعَ بين (فَتَنَ)، و(أفْتَنَ). قالَ ابنُ جنِّي: (وفَتَنَ أقوَى من أفْتَنَ) انتهى.

وكنتُ أُقيِّدُ ما يمرُّ بي مِن أبياتٍ جمَع قائلوها بين لُغتينِ في البيتِ الواحدِ منها، حتَّى اجتمع عندي قدرٌ صالحٌ.

• قال أبو بكرٍ الأنباريُّ في «الزَّاهر» (2 51):
(وفي (نعم) لغتان: (نَعَمْ) بفتحِ العينِ، و(نَعِمْ) بكسرِ العينِ).
ثُمَّ قال:
(وقال الشَّاعرُ في اللُّغتين جميعًا:
دعانيَ عبدُ اللهِ نفسي فداؤهُ * فيا لكَ مِن داعٍ دعانا نَعَمْ نَعِمْ) انتهى.

• وجاءَ في «لسان العرب» (موت):
(وجمَع بين اللُّغَتَيْنِ [أي: (مَيِّت) و(مَيْت)]  عَدِيُّ بنُ الرَّعْلاءِ، فقالَ:
ليس مَن ماتَ فاستراحَ بِمَيْتٍ * إنَّما الـمَيْتُ مَيِّتُ الأحياءِ) انتهى.

• وجاءَ في «الجامع لأحكام القرآن» للقرطبيِّ (20/ 56):
(قالَ الأخفشُ: يُقالُ: جَزَيْتُه الجزاءَ، وجزيتُهُ بالجزاءِ، سواء لا فرقَ بينهما، قالَ الشَّاعِرُ:
إنْ أجْزِ علقمةَ بنَ سعدٍ سَعْيَهُ * لَمْ أَجْزِهِ ببلاءِ يَوْمٍ واحِدِ
فجمعَ بين اللُّغتين) انتهى.

• وجاءَ في «الجامع لأحكام القرآن» (6/ 13) أيضًا:
(أسْرَى فيه لُغتانِ: سَرَى، وأَسْرَى، كَسَقَى وأَسْقَى...
قالَ:
أسْرَتْ عليه من الجَوْزاءِ سارِيَةٌ * تُزْجِي الشَّمالُ عليه جامِدَ البَرَدِ
وقالَ آخَرُ:
حَيِّ النضيرةَ ربَّةَ الخِدْرِ * أَسْرَتْ إليَّ ولَمْ تَكن تَسْرِي
فجمع بين اللُّغتين في البيتين) انتهى.

• وقال أبو منصورٍ الأزهريُّ في «تهذيب اللغة» (شأى):
(أبو عُبيد، عن الأصمعيِّ: شآني الأمرُ مثل: شَعاني، وشاءَني مثل: شاعني، إذا حَزَنَكَ.
وقال الحارثُ بن خالدٍ:
مَرَّ الْحُمُولُ فما شَأَوْنَكَ نَقْرَةً * ولقد أراكَ تُشَاءُ بالأظْعانِ
فجاءَ باللُّغتينِ جميعًا) انتهى.

• وقالَ البُحتريُّ:
سَكَنٌ لي إذا نَأَى نَاءَ ليَّا * نًا ومَنْعًا فازْدادَ بالبُعْدِ بُعْدَا
قالَ أبو العلاء المعريُّ في «عبث الوليد» (ص 153):
(قال: (نَأَى) فاستعمَله غيرَ مقلوبٍ، ثُمَّ قال: (نَاءَ)، فاستعملَه مقلوبًا، فوزنُ (نأَى) فَعَلَ، ووزنُ (ناءَ) في الحقيقة فَلَعَ؛ لأن الياء في (نأَى) جُعِلَتْ بعد النُّونِ، فاعتلَّتْ كما اعتلَّتْ ألفُ (باعَ). وهذا داخلٌ في نوع مجيء الشُّعراء باللُّغتين في البيت الواحدِ، وهو دونَ الضَّرورةِ. كما أنَّهم يقولون: (فَعَلْتُم) فيُسكِّنونَ الميمَ، ثُمَّ يقولون: (فَعَلْتُمُ) في أَثَرِ ذلك؛ قال النَّابغةُ:
ألا من مُبلغٌ عني خُزيمًا * وزَبَّانَ الَّذي لم يَرْعَ صِهْرِي
بأنِّي قد أتاني ما فَعَلْتُمْ * وما رشَّحْتُمُ من شِعْرِ بَدْرِ
ومن ذلك قولُ لَبيد:
سقَى قومي بني مَجْدٍ وأسْقَى * نُمَيْرًا والغَطارِفَ مِنْ هِلالِ
قيل: إنَّ المعنَى واحدٌ، وقيل: بل المعنيان مُختلفان...) انتهى.


• وقالَ أبو الطيِّب المتنبّي:
فسَقَى اللهُ مَنْ أحبّ بكفَّيْـ * ـكَ وأسْقاكَ أيُّهٰذا الأميرُ
فجمع بين (سَقَى) و(أَسْقَى).

• وقال أبو الطيِّب المتنبِّي:
فبلَحْظِها نَكِرَتْ قَناتي راحَتي * ضَعْفًا وأنكَرَ خاتمايَ الخِنصِرَا
قال ابنُ جِنِّيْ في «الفَسْر» (2/ 184):
(يُقالُ: نَكِرْتُ الشَّيْءَ، وأَنكَرْتُهُ. قالَ الأعشَى:
وأَنْكَرَتْني وما كانَ الَّذي نَكِرَتْ * مِنِّي الحوادِثُ إلاَّ الشَّيْبَ والصَّلَعَا
فجاءَ باللُّغَتينِ جميعًا) انتهى.
وقالَ ابنُ سيدَهْ في «شرح المشكل من شعرِ المتنبِّي» (ص299):
(ونَكِرَ وأنْكَرَ لُغتانِ فصيحتانِ، جمَعَ بينهما في بيتٍ واحدٍ، وهذا من غريبِ الصَّنعةِ الشِّعريَّة) انتهى.
وقالَ الشَّوكانيُّ في «فتح القدير» (2/ 709):
(يُقالُ: نَكِرته، وأنكَرْته، واستَنْكَرْته؛ إذا وجدتَّهُ علَى غيرِ ما تعهَدُ، ومنه قولُ الشَّاعِرِ:
وأَنْكَرَتْني وما كانَ الَّذي نَكِرَتْ * مِنَ الحوادِثِ إلاَّ الشَّيْبَ والصَّلَعَا
فجمعَ بين اللُّغتين. وممَّا جمع فيه بين اللُّغتين قول الشَّاعر:
إذا أنكَرَتْني بلدةٌ أَوْ نَكِرْتُها  * خَرَجْتُ مع البازِي عَلَيَّ سوادُ) انتهى.

• وقالَ الفَرَّاءُ في «الأيَّام واللَّيالي والشُّهور» (ص97):
(وأَيَاءُ الشَّمْسِ: إذا فُتِحَ مُدَّ، وإذا كُسِرَ قُصِرَ. قالَ الشَّاعِرُ:
* لاقَى إِيَاهَا أَيَاءَ الشَّمْسِ فَأْتَلَقَا *) انتهى.
قالَ الزَّبيديُّ في «التَّاج»:
(وشاهِدُ إِيَا بالكسرِ مقصورًا وممدودًا قولُ مَعْنِ بْنِ أَوْسٍ، أنشدَه ابنُ بَرِّيٍّ:
رَفَّعْنَ رَقْمًا عَلَى أَيْلِيَّةٍ جُدُدٍ * لاقَى إِيَاهَا أَيَاءَ الشَّمْسِ فَأْتَلَقَا
فجمعَ اللُّغَتَيْنِ في بَيْتٍ) انتهى.

• وقال المبرِّدُ في «الكامل» (ص 286):
(والبُكاءُ يُمَدُّ ويُقصَر، فمَن مدَّ فإنَّما جعَله كسائر الأصواتِ... ومَن قصَرَ فإنَّما جعَل البُكاءَ كالحُزْنِ. وقد قال حسَّان، فقصَرَ ومَدَّ:
بَكَتْ عيني وحُقَّ لها بُكاها * وما يُغني البُكاءُ ولا العَوِيلُ) انتهى.

• وفي لُغةِ طيِّئ تُقلَب الياء المتحرِّكة ألفًا، إذا كان ما قبلَها مكسورًا، فيقولونَ في نَحْوِ (أَوْدِيَة): (أَوْدَاة). جاءَ في «تاج العروس» (ودي):
((وأَوْداةٌ) علَى القلبِ، لغةُ طيِّئ. قالَ أبو النَّجْمِ، فجمع بين اللُّغتين:
وعارَضَتْها من الأَوْدَاةِ أَوْدِيَةٌ * قَفْرٌ تُجَزِّعُ مِنْها الضَّخْمَ والشُّعُبَا
وقالَ الفرزدقُ:
ولولا أنتَ قد قَطَعَتْ رِكابي * مِنَ الأوداةِ أَوْدِيةً قِفارا) انتهى.

• وجاء في «تاج العروس» (هوي):
((و) هوَى (الشَّيءُ) يَهْوِي: (سَقَطَ) من فوق إلى أسفل، كسقوطِ السَّهْمِ وغيرِه، (كأهْوَى، وانْهَوَى). قالَ يزيدُ بنُ الحَكَمِ الثَّقَفِيُّ:
وكَم مَنزِلٍ لَوْلايَ طِحْتَ كَمَا هَوَى * بأَجْرامِهِ مِن قُلَّةِ النِّيقِ مُنْهَوِي
فَجَمَعَ بينَ اللُّغَتَيْنِ) انتهى.

• وقالَ أبو حاتمٍ السجستانيُّ في «المذكَّر والمؤنَّث» (ص 38):
(وألحَقوا الهاءَ في الخليفةِ لغيرِ التَّأنيثِ، ولا معنى له في التَّأنيثِ).
ثُمَّ قالَ:
(وجاءَ به أوسُ بنُ حَجَرٍ علَى وجهَيْنِ، فقالَ:
إنَّ مِنَ القومِ موجودًا خَلِيفَتُهُ * وما خَلِيفُ أبي وَهْبٍ بموجودِ
فأثبتَ الهاءَ، ونزعَها؛ إذ كانَ إلحاقُها لغير التَّأنيثِ) انتهى.

• وقالَ الفرَّاءُ في «المذكَّر والمؤنَّث» (ص 73):
(و(الخَمْرُ) أُنثَى، ورُبَّما ذكَّرُوها... وقد ذكَّرَها الأعشَى، فقالَ:
وكأنَّ الْخَمْرَ العَتيقَ مِنَ الإسْـ * ـفِنْطِ ممزوجةً بماءٍ زُلالِ
فقالَ: العَتيق، ثمَّ رجعَ إلى التأنيثِ، فقالَ: ممزوجة) انتهى.
(ويجوزُ أن يكونَ ذكَّر (العَتيق) ؛ لأنَّه صُرِفَ عن معتَّقة إلى عتيق، فصارَ بمنزلة قولِهم: عَسَلٌ مُعْقَدٌ، وعَقِيدٌ، وبمنزلةِ قولِهم: عينٌ كحيل، ولحيةٌ دَهين) انتهى من «المذكَّر والمؤنَّث» لابن الأنباريِّ (1/ 453).
وبعضُهم يروي البيتَ:
وكأنَّ الخمرَ الـمُدامَ من الإسـ * ـفِنْطِ ممزوجةً بماءٍ زُلالِ
وكانَ الأصمعيُّ يُنكِرُ التَّذكيرَ، ويُنشدُ البيتَ على التأنيثِ بحذفِ نون (مِنْ) في الإدراجِ:
وكأنَّ الخمرَ الـمُدامةَ مِ الإسـ * ـفِنطِ ممزوجة بماءٍ زلالِ
انظر: «المذكَّر والمؤنَّث» للسجستانيِّ (ص 133).

• وقالَ الجوهريُّ في «الصّحاح» (بخخ):
(بَخْ: كلمةٌ تُقالُ عندَ المدحِ والرِّضا بالشَّيءِ، وتُكرَّرُ للمبالغةِ، فيُقالُ: بَخْ، بَخْ، فإنْ وَصَلْتَ خفضْتَ ونوَّنْتَ، فقلتَ: بَخٍ بَخٍ، ورُبَّما شُدِّدَت كالاسمِ، وقد جمعَهما الشَّاعِرُ، فقالَ يصفُ بيتًا:
رَوَافِدُهُ أَكْرَمُ الرَّافِداتِ * بَخٍ لَكَ بَخٍّ لِبَحْرٍ خِضَمْ) انتهى.

• وجاءَ في «اللِّسان» (أين):
(والأَواينُ: بلدٌ؛ قالَ مالك بن خالد الهُذليّ:
هَيْهاتَ ناسٌ مِن أُناسٍ دِيارُهمْ * دُفاقٌ ودارُ الآخَرِينَ الأَوايِنُ) انتهى.
فجمعَ في البيتِ بين (ناس) و(أُناس).
قالَ الجوهريُّ في «الصّحاح» (أنس):
(والأُناسُ: لُغةٌ في النَّاسِ، وهو الأصلُ، فخُفِّفَ) انتهى.

• وقالَ ابنُ الأنباريِّ في «الأضداد» (ص201):
(وجَدَا حَرْفٌ من الأضدادِ، يُقالُ: جَدَا فلانٌ فُلانًا إذا سأله، وجَدَاه إذا أعطاه، ويُقال في المستقبل: يجدُو، وفي الدَّائم: جادٍ، قال الشَّاعِرُ:
جَدَوْتُ أُناسًا مُوسِرينَ فَما جَدَوْا * ألَا اللهَ فاجْدُوهُ إذا كنتَ جادِيَا
أرادَ بـ(جَدَوْتُ): سألتُ، وبـ(جَدَوْا): أَعْطَوْا) انتهى.


• وقالَ ابن خالويه في «إعراب القراءات السبع» (1/ 47):
(... وأكثرُ ما يجيءُ في كلامِ العربِ وأشعارِهم (مَلِك). و(مَليكٌ) لغةٌ فصيحةٌ، وإن لم يقرأْ بها أحدٌ. قالَ ابنُ الزِّبَعْرَى يخاطبُ رسولَ اللهِ -صلَّى الله عليه وسلَّم-:
يا رسولَ المَليكِ إنَّ لساني * راتقٌ ما فَتَقْتُ إذْ أنا بُورُ
إذْ أُجاري الشَّيطانَ في سَنَنِ الغَـيْـ *  ـيِ ومَن مالَ مَيْلَهُ مثبورُ
وقالَ الفرزدقُ، وجمعَ بينَ اللُّغتين، فقالَ:
إنَّ الَّذي سَمَكَ السَّماءَ بنَى لنا * بيتًا دعائمُه أعزُّ وأطْوَلُ
بيتًا بناه لنا المَليكُ وما بنَى * مَلِكُ السَّماءِ فإنَّه لا يُنقَلُ) انتهى.

• وفي «اللآلي» لأبي عبيدٍ البكريِّ (1/ 474):
(قالَ حُميد الأرقط:
قَدْنِيَ مِن نصرِ الخُبَيْبَيْنِ قَدِي
فأتَى باللُّغتينِ) انتهى.

• وجاء في «تاج العروس» (كنت):
((و) قالَ أبو زيدٍ: الكُنْتِيُّ: (الكبير)... (كالكُنْتُنِيِّ) بضمِّ الكافِ، والمثنَّاة. ويُنشَدُ:
وما كنتُ كُنْتِيًّا وما كنتُ عاجِنًا * وشرُّ الرِّجالِ الكُنْتُنِيُّ وعاجِنُ
فجمعَ اللُّغتينِ في البيتِ) انتهى.

• وقال أبو شامةَ في «إبراز المعاني» (2/ 363):
(وهو [أي: دَفْع] مصدرُ دَفَعَ، ودِفاع كذلك؛ مثل: كَتَبَ كِتابًا، أو مصدر دافَعَ بمعنَى دَفَعَ؛ نحو: قاتَلَهُمُ اللهُ؛ أي: قَتَلَهم. قالَ أبو ذؤيبٍ، فجمعَ بين اللُّغتين:
ولقد حَرَصْتُ بأنْ أُدافِعَ عنهُمُ * وإذا المنيَّةُ أقبَلَتْ لا تُدْفَعُ) انتهى.

• وفي «الفصوص» (1 / 87):

وإذا السِّنِينُ دَأَبْنَ في طَلَبِ الفَتَى * مَضَتِ السِّنُونَ وأُدْرِكَ المَطْلُوبُ
قالَ صاعدٌ: (قولُهُ: (إذا السِّنينُ) جعلَ النُّونَ لغيرِ الجمعِ، وجعلَه من نفس الكلمةِ، ولذلك لم يعربِ (السِّنين) إعراب نون الجمع إذْ صيَّرَه اسمًا علَى حِيالِه، فلذلك رفعَ النُّونَ الأخيرةَ. وأنشدَنا أبو عليٍّ -رحمه الله-:
ذَرَانيَ مِن نَجْدٍ فإنَّ سِنينَهُ * لَعِبْنَ بِنا شِيبًا وشَيَّبْنَنا مُرْدا) انتهى.

• وقال أبو تمَّامٍ حَبِيبُ بنُ أَوْسٍ الطَّائيُّ:
أنتَ لي مَعْقِلٌ مِن الدَّهْرِ إنْ رَابَ بِرَيْبٍ أو حادِثٍ مَضَّاضِ
قالَ أبو العلاء المعرِّيُّ في «ذكرى حبيب» -ونقله عنه تلميذُه التِّبريزيُّ في «شرح ديوان أبي تمَّام» (2/ 315)-:
(ويُرْوَى: (إِنْ رَابَ مُرِيبٌ)، وهذا من الجمع بين اللُّغتين؛ لأنَّهم قد حَكَوْا: قد رابَني وأَرَابَني، وقد فرَّقوا بين المعنيَيْن في بعض المواضعِ، وساوَوْا بينهما في غيرِه، فقالوا: رابَ إذا أَتَى بالرِّيبةِ، وأرابَ إذا ظُنَّتْ به) انتهى.
وتكلَّم أبو العَلاءِ المعرِّيُّ عن رَابَ وأَرَابَ في «اللَّامع العزيزيِّ» عند قولِ أبي الطَّيِّبِ المتنبِّي:
أَيَدْري ما أَرَابَكَ مَن يَرِيبُ * وهَلْ تَرْقَى إلَى الفَلَكِ الخُطُوبِ
وقالَ ابنُ جنِّي في «الفَسْرِ» (1/ 253): (وبَنَى هُوَ [أي: أبو الطِّيِّبِ] الشِّعْرَ علَى أنَّ رَابَني وأَرَابَني بِمَعْنًى... وقال لي: كذا أُنشِدُهُ بالفَتْحِ).

• وقالَ ابنُ يعيش في «شَرْحِ المفَصَّلِ» (ص 19):
(و«أيٌّ» قد تُؤنَّثُ إذا أُضيفَتْ إلى مُؤنَّثٍ، وتَرْكُ التَّأنيثِ أكثرُ فيها) انتهى.
وقد قالَ البُحْتُرِيُّ، فجَمَعَ بينَ اللُّغَتَيْنِ في بيتٍ واحدٍ:
رَحَلوا فأيَّةُ عَبْرَةٍ لمْ تُسْكَبِ * أَسَفًا وأيُّ عَزِيمَةٍ لمْ تُغْلَبِ

• وقال قُطْرُب في «الأضداد» (ص 100):
(الجَوْنُ في لُغة قُضاعةَ: الأسْوَدُ، وفي ما يليها: الأبْيَضُ) انتهى.
وقد جَمَعَ اللُّغتين في بيتٍ واحدٍ البحتُريُّ، فقالَ:
فَعادَ النَّهَارُ الْجَوْنُ جَوْنًا كأنَّمَا * تَجَلَّلَهُ مِن مُصْمَتِ اللَّيْلِ فاحِمُهْ

• والدَّأْبُ والدَّأَبُ لُغتانِ. قالَ السَّمينُ الحلبيُّ في «الدرّ المصون» ( 6/ 509):
(قولُه: ﴿دأبًا﴾: قرأَ حفصٌ بفتحِ الهمزةِ، والباقونَ بسُكونِها، وهما لُغتانِ في مصدرِ دَأَبَ يَدْأَبُ؛ أي: داوَمَ علَى الشَّيْءِ، ولازمَهَ) انتهى.
 وقد جَمَعَ بين اللُّغتينِ في بيتٍ واحدٍ البحتريُّ في قولِه:
مَن يتصرَّعْ في إثْرِ مَكْرُمَةٍ * فَدَأْبُهُ في ابْتغائِها دَأَبُهْ

• وقالَ الجوهريُّ في «الصّحاح» (شغل):
(الشغلُ فيه أربعُ لغاتٍ: شُغْلٌ، وشُغُلٌ، وشَغْلٌ، وشَغَلٌ) انتهَى.
وقد جمعَ بينَ (الشُّغْل)، و(الشُّغُل) أبو الطيِّبِ في قولِهِ:
وفي اعتمادِ الأميرِ بدرِ بنِ عمْـ * ـمَارٍ عن الشُّغْلِ بالورَى شُغُلُ

• وقالَ أبو الطيِّبِ المتنبِّي:
هُوَ الشُّجاعُ يَعُدُّ البُخْلَ مِن جُبُنٍ * وَهْوَ الجَوادُ يَعُدُّ الجُبْنَ مِن بَخَلِ
فجمعَ في البيتِ بينَ (البُخْلِ)، و(البَخَل)، وبينَ (الجُبْنِ)، و(الجُبُن).

• وجاء في «الأمثال الصَّادرة عن بيوت الشِّعر» (ص653) لحمزةَ الأصبهانيّ:
والْقَ ذا النَّاسَ بِخُلْقٍ حَسَنٍ * لَـمْ يَضِقْ شَيْءٌ عَلَى حُسْنِ الـخُلُقْ
والبيتُ لأبي العتاهية في «شِعره» 247 -كما ذكرَ المحقِّقُ في الحاشيةِ-، وقد جمع فيه بين (الخُلُقَ) و(الخُلْق).

• ووقفتُ في «اللامع العزيزي» (1/ 823) علَى قولِ زُهَيْر:
لو نالَ قَوْمٌ ذَوُو مَجْدٍ ومَكْرُمةٍ * أُفْقَ السَّماءِ لَنالَتْ كَفُّهُ الأُفُقا
فجمعَ في البيتِ بين (أُفْق) و(أُفُق).
وفي «تاج العروس» (أفق):
((الأُفْقُ، بالضَّمِّ، وبضَمَّتَيْنِ) كعُسْرٍ وعُسُرٍ: (النَّاحية، ج: آفاق). قالَ الله تعالَى: ((وهُوَ بالأُفُقِ الأَعْلَى))، وقالَ -عزَّ وجلَّ-: ((سَنُرِيهِمْ آياتِنا في الآفاقِ))، وقد جَمَعَ رؤبةُ بين اللُّغتين:
* ويَغْتَزِي مِن بَعْدِ أُفْقٍ أُفُقا *) انتهى.

• وقالَ أبو العَلاءِ المعَرِّيُّ:
سَتَرْجِعُ عَنكَ وَهْيَ أَعَزُّ إِبْلٍ * إذَا إِبِلٌ أَضَرَّ بِهَا امْتِهَانُ

التّبريزيّ: (ويُقالُ: إِبِلٌ وإِبْلٌ، لُغتانِ فَصيحتانِ جاءَ بهما في البَيْتِ) انتهى من «شروح سقط الزَّند» (1/ 184).

• والسَّقَمُ والسُّقْمُ لُغتانِ، جمعَ بينهما في بيتٍ واحدٍ مسافع بن عبد العُزَّى الضَّمْريُّ إذ يقولُ:
بِهِ سَقَمٌ مِنْ كُلِّ سُقْمٍ وخَبْطَةٌ * مِنَ الدَّهْرِ أصْغَى غُصْنَهُ فهو ساجِدُ
والبيتُ وقفتُ عليه في «ديوان الشعراء المعمرين» (ص 528)، وهو من أبياتٍ أوردَها أبو حاتم السجستانيُّ في «كتاب المعمرين».

• وفي «اللِّسان» (سأل):
(فأمَّا قولُ بلال بن جرير:
إذا ضِفْتَهُم أَوْ سآيَلْتَهُمْ * وَجَدتَّ بِهِمْ عِلَّةً حاضِرَهْ
فإنَّ أحمدَ بن يحيَى لم يَعْرِفْه، فلمَّا فَهِمَ قالَ: هذا جَمْعٌ بينَ اللُّغَتَيْنِ، فالهمزةُ في هذا هي الأصْلُ، وهي الَّتي في قولكَ: سأَلْتُ زيدًا، والياء هي العِوَضُ والفَرْعُ، وهي الَّتي في قولكَ: سايَلْتُ زيدًا، فقد تراهُ كيفَ جمعَ بينَهما في قولِه: سآيَلْتَهم. قالَ: فوَزْنُه علَى هذا: فَعَايَلْتَهُم، قالَ: وهذا مِثالٌ لا يُعْرَف له في اللُّغةِ نَظيرٌ) انتهى.

وقالَ ابنُ جنِّي في «الخصائص» (3/ 148):
(ونحو منه ما رويناه عن أحمدَ بن يحيَى لبلال بن جرير جدّ عُمارةَ:
إذا ضِفْتَهُم أَوْ سآيَلْتَهُمْ * وَجَدتَّ بِهِمْ عِلَّةً حاضِرَهْ
يُريد: ساءَلْتَهم. فإمّا زادَ الياءَ، وغيَّر  الصُّورةَ، فصارَ مثاله: فعَايَلْتَهُم. وإمَّا أرادَ: ساءَلْتَهم كالأوَّلِ، إلَّا أنَّه زادَ الهمزةَ الأُولَى، فصار تقديرُه: سَئَاءَلتَهم، بوزنِ: فعَاءَلْتهم، فجفا عليه التقاء الهمزتين هكذا، ليس بينَهما إلَّا الألف، فأبدلَ الثَّانيةَ ياءً... ويجوزُ أن يكونَ أرادَ: ساءَلْتَهم، ثمَّ أبدلَ من الهمزةِ ياءً، فصار: سايَلْتَهم، ثمَّ جمعَ بين المعوّض والمعوّض منه، فقالَ: سآيَلْتَهُم، فوزنُه الآنَ علَى هذا: فعَاعَلْتَهُم) انتهى.

• في «البصائر والذخائر» ( 9/ 40):
لابنِ همَّامٍ السَّلوليِّ:
حَصِرٌ إن سِيلَ خَيْرًا لَـمْ يَجُـدْ * وإذا ما سَأَل النَّاسَ أَلَـحْ

• وفي «الحصائل» للدكتور محمَّد الدَّاليِّ  (1/ 23):
(وقول أبي العتاهية:
الـمَرْءُ ما لَـمْ تَرْزَهُ لَكَ مُكْرِمٌ * فإذا رَزَأْتَ الـمَرْءَ هُنْتَ عَلَيْهِ
أرادَ: «تَرْزَأْهُ». وقد جمعَ أبو العتاهيةِ بينَ اللُّغتينِ: إبدال الهمزة وتحقيقها في «تَرْزَهُ» و«رَزَأْتَ»، وقد يكونُ لَيَّنَ، فقالَ: «رَزَاتَ») انتهى.

• وقالَ السَّمَوْءَلُ:
لَيْتَ شِعْري وأَشْعُرَنَّ إذا ما * قِيلَ إِقْرأْ عُنْوانَها وَقَرَيْتُ
والبيتُ في «الأصمعيَّات» (ص86). وفي الحاشيةِ: («قَرَيْتُ»: قَرَأْتُ، بإبدالِ الهمزةِ ياءً، وهي لغةٌ محكيَّةٌ) انتهى.

• وقالَ أبو العلاء في «اللامع العزيزي» (1/ 861):
(ومِن قطعةٍ أوَّلُـها:
نُهَنِّي بصُورٍ أمْ نُهَنِّئُها بِكا * وقَلَّ الَّذي صُورٌ وأَنتَ لَهُ لَكا
وهي من ثاني الطَّويلِ.
خَفَّفَ الـهَمْزَ وهَمَزَ في مِصْراعٍ) انتهى.

• وقال ابنُ جِنِّيْ في «الفَسْر» (1/ 493):
(يُقالُ: لِمْ فعلتَ كذا وكذا؟ ولِمَ فعلتَه؟ ولِمَا فعلتَه؟ وأفصحُها: لِمَ؛ قال تعالَى: ﴿لِمَ تقولونَ ما لا تفعلونَ﴾، وقال الرَّاجِزُ:
يا فَقْعَسِيُّ لِمَ تأتيهِ لِمَهْ
...
ويُروَى:
........ لِمْ قَتَلْتَهُ لِمَهْ
فجاءَ باللُّغتينِ) انتهى.

• وقالَ الشَّاطبيُّ في «حرز الأماني» مبيِّنًا مذاهبَ القُرَّاء في صلة ميمِ الجمع:
وصِلْ ضَمَّ ميمِ الجَمْعِ قبلَ مُحَرَّكٍ * دِراكًا وقالونٌ بتخييرِه جلا
ومِن قَبْلِ همزِ القَطْعِ صِلْها لوَرْشِهِمْ * وأسْكَنَها الباقونَ بعدُ لِتَكْمُلا
قالَ ابنُ جبارةَ المقدسيُّ في «المفيد في شرح القصيد» (ص 367):
(واعْلَمْ أنَّ الصِّلةَ وتركَها لُغتانِ فاشِيتانِ) انتهى.
وقال أبو شامةَ في «إبراز المعاني» (ص 73):
(وكلاهما لغةٌ فصيحةٌ، وقد كثرَ مجيئُها في الشعرِ وغيرِه. قال لَبيد:
* وهُمُ فَوارسُها وهُمْ حُكَّامُها *
فجمعَ بين اللُّغتين. وكذا فعل الكُمَيْتُ في قولِه:
* هَزَزْتُكُمُ لَوْ أنَّ فيكمْ مهزَّةً *
وقال الفرزدقُ:
مِن معشَرٍ حُبُّهُمْ دِينٌ وبُغْضُهُمُ * كُفْرٌ..........) انتهى.
وقالَ ابنُ آجُرُّوم في «فرائد المعاني» (2/ 375):
(وحُجَّةُ من ضمَّها مع الهمزةِ، وأسكنَها مع غيرِ الهمزةِ: إرادةُ الجمعِ بين اللُّغتين، وعليهما قولُ الشَّاعِرِ:
أَمَرْخٌ خِيَامُهُمُ أَمْ عُشَرْ * أَمِ القلبُ في إثْرِهِمْ مُنْحَدِرْ) انتهى.

• وقالَ السَّمينُ الحلبيُّ في «الدرّ المصون» (5/ 613):
(قولُه: ﴿مَنْ حَيَّ﴾: قرأَ نافعٌ، وأبو بكر عن عاصمٍ، والبزيُّ عن ابن كثير بالإظهار، والباقونَ بالإدغام.
والإظهارُ والإدغامُ في هذا النوعِ لغتان مشهورتان، وهو كلُّ ما آخرُه ياءان من الماضي، أولاهما مكسورة؛ نحو: حَيِيَ، وعَيِيَ.
ومن الإدغامِ: قولُ المتلمِّس:
فهذا أوان العِرْض حَيَّ ذُبابُهُ * ..................
وقالَ آخَرُ:
عَيُّوا بأمرِهمُ كما * عَيَّتْ ببيضتِها الحمامَهْ
فأدغمَ (عيُّوا). ويُنشَد: (عَيَّتْ)، و(عَيِيَتْ) بالإظهار، والإدغامِ) انتهى.
فإذا أُنشدَ البيتُ بالإظهار:
عَيُّوا بأمرِهمُ كما * عَيِيَتْ ببيضتِها الحمامَهْ
كانَ فيه جمعٌ بين اللُّغتين.

والله تعالَى أعلمُ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق