الخميس، 9 يوليو 2020

أحوال الثلاثي الذي وسطه همزة في الشعر



عند قولِ أبي الطيِّبِ المتنبِّي:
ولا شُغِلَ الأميرُ عن المعالي * ولا عَن ذِكْرِ خالِقِه بِكَاسِ
قالَ أبو العلاءِ المعرِّيُّ في «اللامع العزيزي» (1/ 584):
((الكأس) -وما كان مثلها من الثلاثيِّ الَّذي وسطه همزة- تكون له ثلاثة أحوال في القريض:
• إذا جاءت في حشو البيتِ؛ فالمنشد مخيَّر؛ إن شاء همزَ، وإن شاء جعلَ الهمزةَ ألفًا؛ كقولِ القائل:
تَصُدُّ الكأسَ عنَّا أُمُّ عَمْرٍو * وكانَ الكاسُ مَجْرَاها اليَمِينا
• وإذا جاءت في القافية مع حروف ليست ذاتَ لينٍ؛ فالهمزُ واجبٌ، ومَن تَرَكَه فقد أساءَ؛ كقولِ الرَّاجزِ:
قد خَطَبَ النَّوْمُ إلَيَّ نَفْسي
هَمْسًا وأخْفَى مِن مقالِ الهَمْسِ
وما بأَنْ أُطْلِبَهُ مِن بَأْسِ
فإن لم يُهْمَزْ (بأس) في هذا الموضعِ؛ فهو عيبٌ لم تجرِ العادة بمثله، وإذا شُبِّهَ بعيوب الشِّعر؛ حُسِبَ من السّنادِ، إلَّا أن العربَ ساندَتْ في الواوِ والياءِ إذا كانتا رِدْفَيْنِ، ولم يُسانِدوا بالألفِ...
• وإذا كانت (كأس) ونظائرها مع حُروف لِينٍ؛ مثل ناسٍ وقاسٍ؛ فهمزها خطأٌ، وذلك في مثلِ بيت أبي الطيِّب. ونحوٌ منه ممَّا لا يجوز فيه همز المهموز قولُ القائلِ:
يقولُ ليَ الأميرُ بغيرِ جُرْمٍ * تقدَّمْ حينَ جدَّ بنا الـمِراسُ
فما لي إنْ أطَعْتُكَ من حياةٍ * ولا لي غيرَ هذا الرَّأسِ رَاسُ
فـ(راس) في القافيةِ لا يجوزُ همزُه) انتهى.

وقال أبو العلاءِ أيضًا في «شرح ديوان ابن أبي حُصينة» (2/ 69):
 (قوله: (لم يَرْقَ بَعْدَكُمُ شانُ)... أصلُ (الشَّأن) الهمز، إذا كان من شؤون الدُّنيا، ومن شؤون الرَّأس، وهو آخر هذا البيت مخفَّف، لا يجوز غير ذلك؛ لأنَّ الهمزة إذا كانت قبل الرَّوِيِّ وفي قوافي القصيدة حرفُ لينٍ؛ وجبَ أن تُخفَّفَ الهمزة لا غير. وإذا كانت الهمزةُ في ذلك مخفَّفة، وفي موضعها من القوافي حرفٌ مصمتٌ ليس بلينٍ؛ فتخفيف الهمزة خطأٌ.
مثال ذلك أنَّ امرأ القيس قالَ:
* ألا انعمْ صباحًا أيُّها الطَّلَلُ البالي *
ثمَّ قال:
* كأنَّ مكانَ الرِّدْفِ منه علَى رَالِ *
وأصل (الرَّال) الهمز، ولا يجوزُ همزهُ في هذا البيت.
[و]قال العجَّاج:
كأنَّه من طولِ جَذْعِ العَفْسِ
ورَمَلانِ الخِمْسِ بعدَ الخِمْسِ
يُنحَتُ من أقطارِهِ بفَأْسِ
ولا بدَّ من همز (الفأس) في هذا الموضع.
وإذا كانت الكلمة في حشو البيتِ؛ فالمنشدُ مخيَّر في التَّحقيقِ والتَّخفيف) انتهى.

وعند قول المتنبِّي:
كانَتْ مِنَ الكَحْلاءِ سُؤْلي إنَّما * أجَلي تمثَّلَ في فؤاديَ سُولا
قالَ ابنُ جنِّي في «الفسر» (3/ 169):
(والسُّؤْلُ يُهْمَزُ، ولا يُهْمَزُ. قالَ تعالَى: ﴿قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى﴾ بالهمزِ، وبغيرِ الهمزِ، إلَّا أنَّه في هذا البيتِ لا يجوزُ همزُهُ؛ لأنَّ الواوَ فيه رِدْفٌ) انتهى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق